"الغيرة" و"العدل" بين الأبناء يصنعهما الآباء
  • Posted on

"الغيرة" و"العدل" بين الأبناء يصنعهما الآباء

إنّ العملية التربوية تتطلب الكثير من الوعي لدى القائمين عليها، كي يدركوا أبعادها ويتعرّفوا على أهم الجوانب التي تمسّ كيان الأسرة وتؤثّر عليها بشكل مباشر، ومن أهم المسئوليات الملقاة على عاتق الوالدين داخل أيّ أسرة هي مراعاة المساواة بين الأبناء، وعدم التمييز فيما بينهم، حيث إنّ خلق الفروقات في المعاملة يتسبب في العديد من المشكلات النفسية والقيمية لديهم، لأنّ الطفل هنا يُربى على عدم وجود قيمة "العدل".. كما يصنع ذلك جواً من الكراهية بين الأبناء، فالمعروف أنّ الأطفال، وبشكل تلقائي، يسعون نحو جذب انتباه الآباء إليهم بشتى الطرق، ولكن إذا شعر أحدهم بتجاهل الأب أو الأم أو تفضيلهما لأحد إخوته فإنّ ذلك قد يترك في نفسه آلاماً وجروحاً قد تصعب معالجتها.وهنا تقول أميرة هاني (طالبة جامعية): لقد عانيت من هذا الأمر وشعرت بمرارة الإحساس بتفضيل أبي لأخي الأكبر ومنحه كل الصلاحيات والحريات للتصرف، في حين يتمّ منعي من الخروج مع أصدقائي مثلاً بحجة أنني فتاة ولا يجوز أن أتساوى بأخي، والكثير من المواقف الأخرى مثل حرية اختيار الملابس أو التحدث في الهاتف، مما دفعني لتجنب التواصل أو الحديث معهم فيما يخصني.فيما تقول نهلة السيد (معلمة): واجهت هذا الموقف من خلال ملاحظتي لتغيّر سلوك أحد الطلاب بالصف عند حواري معه في أحد المرات، فقد روى لي بعض التفاصيل عن علاقته بوالديه، مشيراً إلى شعوره القوي بأنّ والدته تفضل أخاه الأصغر وتهتم به أكثر منه، وعلى الفور استدعيت والدته وشرحت لها الموقف وطلبت منها محاولة توزيع رعايتها واهتمامها بين ولديها حتى لا يتضرر أحدهما نفسياً بما تفعله دون شعور منهما بذلك.وفي هذا السياق توضح الدكتورة نهى خطاب، استشاري طب نفسي وتعديل سلوك، أنّ تفرقة الآباء بين أبنائهم لها عدة أنماط:1- التمييز على أساس الجمال والذكاء: فقد يميل الآباء نحو تفضيل الطفل الأكثر جمالاً أو ذكاءً أو من يتمتع بروح الدعابة مثلاً.2- التمييز وفقاً للتفوّق الدراسي: فالطفل المتفوّق عادةً ما يستقطب اهتمام الوالدين، فيميزانه عن إخوته بالرعاية والاهتمام.3- التمييز بحُسن الخلق واللياقة في الحديث: قد يبرر الآباء تمييزهم بين أبنائهم على أساس حسن الخلق وأسلوب المعاملة، فالطفل المهذّب يعامل والديه بكل احترام وتقدير، بالتالي فهو يلقى معاملةً جيدة من والديه قد تكون أفضل من معاملتهم لباقي الأبناء. 4- التمييز بين الذكور والإناث: وتلك هي الصورة الشائعة داخل مجتمعاتنا العربية.وهنا تنصح د.خطاب من خطورة التمييز بين الأبناء؛ لأنّ ذلك بمثابة قنبلة موقوتة داخل الأسرة لابد من حلّها مبكراً حتى لا تتعقد الأمور. كما أنّه لابد من الرعاية النفسية للأبناء بالمساواة بينهم لزرع القيم لديهم، حتى لا تجني الأسرة انحرافات سلوكية ونفسية مثل الغيرة، الحقد، والكراهية، وقد يتحوّل الأمر إلى الخوف والانطواء.ومن هنا يجب على الآباء التقرب من أبنائهم وقراءة شخصياتهم بشكل جيد لفهم أكثر من الداخل لمعرفة متطلباتهم النفسية والعاطفية وكيفية المبادرة للتعامل معهم بإيجابية، كإعطاهم حق الاستماع والتعبير عما يشغلهم وعما يريدون القيام به، وفتح مساحة كافية للنقاش دون صدّ منهم، حتى لو كان الأمر غير مجُدٍ أو مهم. كما يجب أن يوجِد الآباء روح التعاون والمشاركة فيما بين الأخوات، وكذلك إعطاء الفتاة حقها في شرح موقفها أمام أخيها، وتجنب وضعها في منصة الدفاع عن نفسها دائماً، والعمل على تشجيعها وإظهار قدراتها بعدم إهمالها، خصوصاً أمام إخوتها من الذكور، بوضع ضوابط اللياقة في الحوار بينهم.