هل باع إسماعيل ياسين الوهم لجمهوره؟ .. بنى نجوميته على أنقاض كوميديان فرنسي ‏
  • Posted on

هل باع إسماعيل ياسين الوهم لجمهوره؟ .. بنى نجوميته على أنقاض كوميديان فرنسي ‏

تكفي مشاهدة دقيقة واحدة من أحد أفلام الفنان الفرنسي «فرنانديل» الذي اعتمد في صناعته للضحك على ردود أفعاله الجسدية المبالغ فيها، لتكتشف حقيقة صادمة حول إمبراطورية الكوميديا التي بناها النجم إسماعيل ياسين ، وجعلته أحد مسببات السعادة لدى الجمهور العربي بـ«إفيهاته» وحركاته الكوميدية، فهل بناها على أنقاض هذا الفنان الفرنسي؟ مهما كان عمرك وأنت تقرأ هذه السطور، فأنت بالتأكيد واحد ممن أسرتهم إفيهات «أبو ضحكة جنان»، التي ظلت وستظل محفورة في وجدان كل عربي، لذلك، قد يبدو العنوان مثيرًا للبعض، وصادمًا للبعض الآخر، لكن السؤال الذي نبحث عن إجابته هنا، هو: كيف بنى أبو ضحكة جنان هذه الإمبراطورية؟ دعونا نذهب في رحلة ممتعة إلى أوائل القرن الماضي، ففي عام 1930، ظهر ممثل فرنسي يدعى فرنانديل في أول أفلامه السينمائية، لكنه استطاع أن يحقق نجاحًا جيدًا، ثم يقدم عشرات الأفلام في سنوات الثلاثينيات تجعله متربعا على عرش الكوميديا الفرنسي. اكتسب «فرنانديل» شهرة عالمية بعدما قدّم شخصية الطيب الذي يسخر من حاله، ويعتمد أسلوبه على ردود أفعاله الجسدية المبالغ فيها، مع ملامح وجهه وضحكته المميزة بسبب اتساع فمه، كما أنه مزج فنه بالأغاني الخفيفة والاستعراضات والاسكتشات. [vod_video id="032cu9qyZIimU64XKl1w" autoplay="1"] بعد نجاحه بنحو عقد من الزمن، ومع بداية الأربعينيات دخل الممثل المصري إسماعيل ياسين السينما، ليقدم ببراعة الأدوار الثانية، حتى جاءت الخمسينيات، وصعد نجمه ليتصدر بطولة أعماله، واعتمد نجاحه على أسلوبه الساخر من مظهره وضحكته الشهيرة مع غناء المونولوج، وهو الأسلوب الفني نفسه الذي أسسّ عليه فرنانديل مدرسته الكوميدية قبل سنوات. [vod_video id="Lh9WKBoyQFish8XWLlOFAg" autoplay="0"] الضحكة وتعبيرات الوجه، ستجعلانك بسهولة تدرك الشبه الملحوظ بين «سُمعة» و«فرنانديل»، وربما يكون ذلك ما دفع الأول لاستلهام أدائه من مدرسة الممثل الفرنسي، خاصة أن أفلامه، التي قدمها على مدى عقدين من الزمن، تُعد مادة جذابة للنجم إسماعيل ياسين ورفقاء دربه من الكُتاب، وإليك لقطات من تاريخ كل منهما ربما تدعم وجهة النظر تلك: عام 1937 قدم فرنانديل دور جندي يتقدم لأداء الخدمة بفيلم «Ignace»، فصنع من اختبارات العسكرية مشاهد كوميدية عديدة، تقوم على محاكاة الكشف الطبي والتعاطي مع زملائه وقادته بشكل ساخر ومرح حتى يصبح جنديًا نموذجيًا. [vod_video id="dYUPQCGtQH60MN3aeTpOQ" autoplay="0"] في عام 1957، قدم «سمعة» فيلم «إسماعيل ياسين في الأسطول» مع تفاصيل ومشاهد قريبة الشبه من الفيلم الفرنسي ومحاكاة مشاهد الاختبارات والكشف الطبي، لكن الفيلم المصري أعطى لأصدقاء البطل مساحة أكبر، لم نرها في الفرنسي. [vod_video id="aVIomyXXsQydd5pZT6mLiQ" autoplay="0"] الأمر ذاته تكرر مع الفيلم الفرنسي «Coiffeur pour dames» أو كوافير السيدات للفنان الفرنسي فرنانديل، الذي اعتمد على شخصية «حلاق الحيوانات» ويحلم بأن يملك صالونا كبيرا، وينجح في تحقيق ذلك، ويظهر «فرنانديل» في الفيلم وهو يقص شعر الدواب بشكل ساخر. [vod_video id="hnaPSjZTOm69m7rPASb0PQ" autoplay="0"] ويعود «أبو ضحكة جنان» بفيلمه الذي يحمل عنوانا شبيها للفرنسي، «حلاق السيدات»، فهو يبدأ بتعلم مهنة التصفيف عبر قص شعر الحيوانات والتعامل مع زبائنه من الدواب، ثم يتحول مع صديقه عبد السلام النابلسي إلى صالون للسيدات. [vod_video id="WjjvKbJOCSzYIRluYcKA" autoplay="0"] وفي عام 1939 عرضت فرنسا «Raphaël le tatoué» من بطولة فرنانديل، ويدور حول البطل طيب القلب وشقيقه التوأم المشاكس، وهي نفس الفكرة التي قدمها فيلم «إسماعيل ياسين في الطيران»، بعد عشرين عامًا. ونتيجة هذه القفزة الزمنية استطاع إسماعيل ياسين- مع المخرج فطين عبد الوهاب- استغلال التقدم التقني بتلك الفترة، فظهر الشقيقان التوأم، الذي يجسدهما إسماعيل ياسين في كادر واحد، وهو ما لم يستطع «فرنانديل» فعلها في فيلمه. الإفيهات بالطبع ستكون الإفيهات مختلفة، لأنها نابعة من مجتمعين متناقضين، لكّن واحدًا من أشهر إفيهات سمعة، التي اعتمدها في «إسماعيل يس بوليس سري» إنتاج 1959، مرتبط بالفنان الفرنسي. «دون كاميللو»، ذلك الاسم الذي ينادي به «سمعة»- حينما ظهر بدور راقصة إسبانية- كلما شعر بالخطر، هو نفس اسم أشهر الشخصيات التي قدمها فرنانديل، بسلسلة أفلام تحمل عنوان دون كاميللو بدأت عام 1951، واكتسبت شهرة عالمية بسبب إنتاجها الفرنسي- الإيطالي المشترك، واقتباسها من قصة لكاتب إيطالي معروف وتدور أحداثها بقرية إيطالية. وللمصادفة يتحدث إسماعيل ياسين، عند تجسيده شخصية الراقصة الإسبانية مع دون كاميللو الإسباني، بمفردات إيطالية! [vod_video id="qciRo322Wbesyut0cPJHag" autoplay="0"] صدفة قدرية أخرى، تحدث مع نجمي الكوميديا، عندما اختار المخرج جاك بيكر، سامية جمال لتلعب دور مرجانه بفيلم «Ali Baba et les 40 Voleurs»، ليجسد فرنانديل أمامها علي بابا، ما أتاح لجزء من المجتمع العربي حينها مشاهدة تكنيك فرنانديل وحركاته الكوميدية، التي تجسد أمامك إسماعيل ياسين لكن بالنسخة الفرنسية. [vod_video id="s9o89Cn19PdiLdY07LLPpA" autoplay="0"] هذا التشابه في الشكل والأداء أو تأثر إسماعيل ياسين بمدرسة فرنانديل، لن يمنع أن تلحظ بعض الاختلافات الجوهرية في مسيرة النجمين، التي يحسب بعضها في الحقيقة لصالح إسماعيل ياسين. أولًا: قدم أيقونة الكوميديا المصرية سلسلة أفلام تحمل اسمه، وهو ما لم يفعله فرنانديل، وهي خطوة جريئة تحسب للنجم المصري أو بالأحرى للمنتجين بتلك الحقبة. [vod_video id="PsdUWJcby3O3R9dd5fm3Iw" autoplay="0"] النقطة الثانية ستلاحظها في جرأة إسماعيل لتقديم الشخصيات الكوميدية، فاشتهر بتجسيد دور المرأة، فمن منا ينسى الآنسة حنفي، وهو ما لم يفعله نجم فرنسا، الذي كان أكثر شجاعة وتعاطيا مع الواقع؛ فعندما بدأت السينما تتغير بمنتصف القرن الماضي، بحث عن التجديد والبعد عن النمطية. فخلع فرنانديل عباءة كوميديا الفارس أو الملهاة، وقدم كوميديا بأبعاد اجتماعية وسياسية مثل دون كاميللو، اعتمدت على إصلاح المجتمع عبر السخرية من الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية، هذه الأدوار أمنت له الاستمرارية في السينما، على عكس إسماعيل ياسين الذي بعدت عنه الأضواء بأوائل الستينيات. كيف يرى النقاد تجربة إسماعيل ياسين؟ تؤكد الناقدة ماجدة موريس أن إسماعيل يس حالة متفردة، وكل ما قدمه له علاقة بالحياة المصرية، وإذا حدث أي تشابه مع نجم آخر، فذلك وارد، وربما يكون تشابهًا قدريا، لكنه يبقى شخصية متميزة وفقًا لمجتمعه وظروفه الحياتية القاسية، أما سبب عدم استمرار نجوميته بعد الخمسينيات فترجعها ماجدة موريس لاختلاف الزمن والأفكار الفنية. وبدورها ترى الناقدة حنان شومان أن الأداء الإنساني قد يتشابه أحيانًا، وقد يتأثر فنان بآخر في الأسلوب، مشيرة إلى أن القضية الأساسية هي المضمون الذي يقدمه كل نجم، فمجرد تشابه الأداء أو الأسلوب لا يحمل معنى الإساءة لأحد الطرفين، لكن المهم ألا يرقى ذلك لمرحلة التقليد فيفقد روح مجتمعه. وتضيف «شومان» أن تاريخ السينما المصرية والعالمية مليء بحالات الاقتباس من الأدب أو من أفلام أخرى، لكن أحيانًا تكون الأعمال المقتبسة أفضل من الأصلية، موضحة أن الاقتباس جائز، لكن المهم هو عملية تمصير العمل حتى ينتمي لبيئته. وعن تأثير مدرسة فرنانديل في السينما الأوروبية، ذكر الصحفي والمصور الإيطالي المعروف كلوديو باترياركا، أن فرنانديل يعد من أهم رواد الكوميديا في أوروبا. وأضاف في أحد حواراته الصحفية: بعض النقاد يرون أن أسلوب فرنانديل قد ألهم نجوم التمثيل في عصره، ومنهم أمير الضحكة في السينما الإيطالية، توتو، وامتد هذا الأثر حتى الآن، إذ ذكر باترياركا أن الممثل والمخرج ماتيو أندرون تأثر أيضا بأسلوب فرنانديل. وفي النهاية، علينا أن نقول إنه سواء كان ما يجمع بين النجمين المصري والفرنسي مجرد صدفة قدرية، أو إذا كان إسماعيل ياسين قد تأثر بمدرسة فرنانديل وقام بالفعل بمحاكاتها، فذلك لا ينم عن نقص موهبة، بل ربما عن ذكاء وحرفية، إذ استطاع سمعة مع رفقاء دربه من المؤلفين أن ينقلوا فن المجتمع الفرنسي ببرجوازيته الباردة وإفيهاته الراقية مثل خبز الباجيت الفرنسي، إلى كوميديا مصرية خالصة ودافئة عاشت لأكثر من 60 عامًا. المصدر :- مروة بدوي - روتانا