محمد القصبجي .. الموسيقار الذي ارتضى أن يعيش في ظل "الست"
في مساء 7 إبريل 1966، افتتح الستار وسط ترحيب الجمهور وهتافاته "عظمة ياست"، وظهرت أم كلثوم جالسة على كرسي وسط الفرقة الموسيقية، على غير عادتها، فقد كان كرسيها يتقدم الفرقة بسنتيمترات قليلة، ثم وقفت سومة لتشدو لأول مرة برائعة "الأطلال، ليظل هذا الكرسي فارغا في قلب الفرقة الموسيقية، وظل هذا الكرسي فارغا لسنوات حتى رحيل كوكب الشرق، فلا أحد يمكن أن يجلس في مكان احتله يوما ذلك الرجل نحيل الجسد دافئ القلب عاشق الموسيقى محمد القصبجي. [vod_video id="Rpi8in30Ay0jRIhZofnA" autoplay="1"] في يوم 26 مارس 1966 رحل فجأة الموسيقار محمد القصبجي وترك هذا العالم في هدوء، بعد أن هجر التلحين لأكثر من عشرين عاما، وارتضى أن يكون فقط عازفا للعود وراء "الست" التي ظل حبيس عشقها الفني والإنساني لسنوات طويلة امتنع فيها عن الزواج بأي امرأة أخرى. وقبل أن نغوص في دفتر ذكريات سومة و"قصب"، كما كانت تناديه أم كلثوم، علينا أن نعترف أن محمد القصبجي لم يكن فقط ملحنا مهما، بل هو واحدا من السبعة الكبار في تاريخ موسيقانا المعاصرة كما وصفه فيكتور سحاب في كتابه "السبعة الكبار في الموسيقى العربية". وإذا لم تكن تعرف من هو محمد القصبجي يكفي أن تدرك أنه ملحن الأغنية العبقرية التي أبدعتها أسمهان منذ 77 عاما، ومازالت ساحرة "يا طيور"، والتي حول محمد القصبجي بها الأغنية العربية إلى لحن أوبرالي عالمي، ثم مزج إيقاع الفالس مع كلمات أنا قلبي دليلي للنجمة ليلى مراد. [vod_video id="GlUIDw6YIQMGf4bLXLwuTw" autoplay="1"] اقرأ أيضا: 10 معلومات لا يعرفها الجمهور عن “أسمهان”.. ولدت وماتت في الماء من منتهى العالمية إلى قلب الموسيقى الشرقية مع أم كلثوم في أغاني عديدة على رأسها رق الحبيب و ياصباح الخير ياللي معانا، هكذا كان القصبجي ينتقل من عالم إلى آخر بمنتهى السهولة والإبداع، فتستطيع أن نعتبره الجسر الذي ربط بين أفكار سيد درويش، وجيل محمد عبد الوهاب الذي تتلمذ وتعلم العود على يد محمد القصبجى عام 1923. [vod_video id="IZZXvt8K5m2VedrVfuTaXw" autoplay="0"] اقرأ أيضا: 5 حكايات لموسيقار الأجيال مع الحب.. كسر قلب فنانة كبيرة وعرف الحب في سن الـ55 إذا أردنا أن نختزل حياة القصبجي، فسنجد أنها تبدأ وتنتهي عند شخص واحد، وهي كوكب الشرق أم كلثوم، مع بداية العشرينات من القرن الماضي دخل القصبجي عالم الموسيقى، وقدم عدد من الألحان، لكنه لم يجد ضآلته إلا 1923 عندما استمع محمد القصبجي إلي السيدة أم كلثوم، وبدأ يتعاون معها وكون مع الشاعر أحمد رامي ثنائيا ناجحا بصوت سومة. بعد وفاة الشيخ أبو العلا محمد، أستاذ أم كلثوم وملحنها الأول، بات دور القصبجي واضحا ومؤثرا في مسيرة سومة، فكانت البداية الحقيقية لها كمغنية محترفة مع الملحن المجدد القصبجي والذي أخرج أم كلثوم من العقال والعباءة والبطانة الموسيقية القديمة إلى سومة بشكلها المعاصر وسط فرقة القصبجي الموسيقية الخاصة، والتي كونها عام 1927 لتضم أمهر العازفين مع بعض الآلات الموسيقية الغربية. اقرأ أيضا: أسرار قد لا تعرفها عن كوكب الشرق أم كلثوموعلى مدى حوالي عشرين عاما، صار القصبجي الملحن الأول لسومة وقائد فرقتها الموسيقية، وقدمت معه العديد من الألحان منها "إن كنت أسامح وأنسى الآسية" التي قفزت بسومة لقمة الغناء، وحققت الأسطوانة حينها أعلى المبيعات واقترن اسم أم كلثوم والقصبجي حتى وصلا إلى القمة معا بأروع ما لحن الأخير رق الحبيب. [vod_video id="87bTJRZPpyJHtHtWACkTQ" autoplay="0"] هذا النجاح الفني الهائل واكبه حب كبير من طرف القصبجي تحدث عنه معاصروه، ولكن لم تبادله سومه هذا الحب، وظل قصب يلعب دور كبير في حياة أم كلثوم الفنية، على الرغم أن تلك العلاقة الإنسانية والفنية الرائعة لم تخلُ من بعض الخلافات منها: تعاون القصبجي مع أسمهان وليلى مراد أثار غيرة سومة الفنية والتي تعودت أن تكون هي الصوت الذي يغني ألحانه، رغم أن أم كلثوم بدأت في منتصف الثلاثينات تتعاون مع الملحن الشاب حينها رياض السنباطي، أحد تلاميذ القصبجي. [vod_video id="7Zp4ZpTDRh0vKqW6KNjdPA" autoplay="0"] اقرأ أيضا: ليلى مراد.. أميرة السينما حاملة أختام "الحب جميل" وجاء الخلاف الثاني بين سومة وقصب بعد فيلم "عايدة" عام 1942، وقدمت فيه سومة أوبرا "عايدة" من تلحين القصبجي والسنباطي، ولكن الفيلم فشل جماهيريا، كان سببا في ابتعاد كوكب الشرق عن ملحنها الأول في تلك الفترة حيت اعتبرته مسئولا عن هذا الفشل السينمائي الذي لم تعتده سومة، والتي كانت أفلامها تحقق نجاحا جماهيريا. لم تتعاون أم كلثوم مع القصبجي في فيلمها اللاحق "سلامة"، بينما قدم لها لحنين فقط في آخر أفلامها، ودخلت العلاقة بين سومة وقصب في فتور، وظلت كوكب الشرق ترفض ألحان القصبجي بعد ذلك حتى توقف هو عن التلحين، وارتضى بدور عازف العود، ورغم ذلك ظلت تتحدث أم كلثوم عن قيمة القصبجي وتجديده الموسيقي حتى بعد وفاته في آخر حوار إذاعي لها، فقالت إن كل من ينتمي لعالم الموسيقى يقدر قيمة القصبجي. [vod_video id="m1QlvCnJrTYTmGbQQmKQ0Q" autoplay="0"] لا نعرف على وجه الدقة هل القصبجي هو من قسا على نفسه عندما اكتفى بأن يجلس في الظل محتضنا عوده وحرمنا من إبداعاته اللحنية، أم أن قسوة أم كلثوم التي كانت دائما تنشد الكمال ولا تتنازل عنه هي التي أوصلت الأمر لما كان عليه بين العملاقين؟، سيظل هذا الأمر حبيس دفتر ذكريات سومة وقصب، ولكن كل ما تبقى لنا في ذكرى رحيله هي صفحة ملونة تحمل أغنيته رق الحبيب "وإيه يفيد الزمن مع اللي عاش في الخيال، ولقيتني خايف على عمري ليروح منّي". المصدر : مروة بدوي - روتانا