عمالقة الإبداع المصري في «أبي.. كما لم يعرفه أحد».. الأبناء يتحدثون عن الآباء
  • تاريخ النشر

عمالقة الإبداع المصري في «أبي.. كما لم يعرفه أحد».. الأبناء يتحدثون عن الآباء

روتانا- سامي رمضان عن سيرة ومسيرة مصر عبر مائة عام، انطلاقا من ثورة 19 التي صنعت مناخًا وحراكًا ليبراليا كان من حصادهما عشرات الرموز في مسارات جمالية، فنية، وثقافية، وغنائية متعددة في عالم الفن والتلاوة والسينما والمسرح والشعر والأداء التمثيلي، هذه المرحلة الليبرالية أنتجت لنا سيد درويش وأم كلثوم وحسن البارودي ويوسف وهبي وفاتن حمامة وغيرهم من النجوم فى السينما والغناء والشعر. وكان هذا الرصد مجمعا في كتاب للكاتب المصري خيري حسن بين دفتي كتابه "أبي.. كما لم يعرفه أحد" الصادر في القاهرة والذي يتناول إبداع هؤلاء الذين استمتعنا وما زلنا بما قدموه لنا من فنون، كل في مجاله. الكاتب اعتمد في اختياره النماذج الكاشفة في مجالات عديدة، للكشف عن الروح الحقيقية للشخصية المصرية، التي حيرت الباحثين في نزوعها وفي ردود أفعالها المختلفة، نظرا لميراثها الطويل الممتد، من التاريخ القديم إلى اللحظة الراهنة، فلا يمكن لباحث- مهما كان لديه من مصادر وقدرة على التحليل أو التنبؤ- أن يتوقع طبيعة ردود الأفعال للمصريين، فهم يقدمون دائما ردود فعل مغايرة للمتوقع والسائد، ويفتحون نافذة للضوء في أحلك اللحظات من خلال وسائل يجيدون صنعها، والالتفاف حولها حتى تخف حدة الألم، وفي لحظات الفرح تدمع أعينهم فنجدهم يخافون قائلين "اللهم اجعله خيرا" مترقبين أن تتبدل الأحوال ويأتي الحزن بديلا عن الفرح. وعن تبدل الأحوال من النقيض إلى النقيض، من الغنى إلى الفقر، ومن الصحة للمرض، ومن السلطة إلى فقدانها يتمحور جزء كبير من هذا الكتاب في معاينته لنماذجه المقدمة، وفي كل حالة يتجلى الرضا التام، ففي لحظات القوة والضعف نجد للمصريين حضورا لافتا يتسم بالقوة والتسليم، وحتى في لحظات الخنوع الكاملة نجد لهم حضورا فاعلا من خلال وسائلهم المعهودة في ذلك السياق، حيث يتحول هذا الخنوع ويتلاشى أثره على أقدام النكتة الموجعة التي تثبت للمصريين هشاشة تستجدي بنيانا يتكون بالتدريج، فكأن هذه النكتة تضع قشرة على الجرح المنفتح، فتؤدي دورها في بداية الالتئام على المدى الطويل. ما قدمه خيري حسن يرتبط باختيار نماذج فاعلة، ربما تكون أكثر النماذج كشفا عن هذه الروح، من خلال حوار مع أحد أبناء هذا النموذج، وبعض النماذج المقدمة تحتل الصف الأول في مجالاتها، وبعضها في مساحة الريب بين الصف الأول والثاني. المتأمل للنماذج التي توقف عندها الكاتب، وحاول أن يمسك ويجلي روحها لتكون جزءا من الروح المصرية في تشكلها المستمر المنفتح للحذف والإضافة بوصفها شخصيات تشكل أيقونات صافية لها بريقها المبهر؛ يدرك أن الكثير منها يتجذر في المسافة بين الصف الأول والثاني، بالرغم من أن تحديد هذه الصفوف نسبي، وتتكاتف عوامل عديدة لتشكيل حدودها وملامحها، منها ما يعود إلى طبيعة الشخصية، ومنها ما يعود إلى طبيعة الدور الإعلامي ودرجة الارتباط به. إن فنانا مثل توفيق الدقن أو محمود شكوكو إذا نظرنا إليهما في إطار المجال العام وهو الفن فإننا سنجد صعوبة في وضعهما في إطار الصف الأول، لكن إذا نظرنا إليهما في إطار النسق الذي وضعا فيه من خلال حضور القدرة على الاختيار أو غيابه على مدار تاريخهما الفني، فإن كل واحد منهما يشكل قمة في مجاله، ومن ثم فإن هذا التحديد الصارم لن يكون مجديا في الوصول للروح المصرية، بل على العكس فاستكانة الروح المصرية لا تتشكل حدودها في إطار تأمل نماذج الصف الأول بكل ثوابته وتجلياته المحددة، وإنما تتشكل في ظني في إطار الصف الثاني وحركته الدائبة والمستمرة للانتقال، وكأن في هذه الحركة ميلادا للسمات الإنسانية والإصرار على الوصول والرضا والقناعة، والرغبة في الارتباط بالمجموع والانطلاق من خلاله. ويمارس الكاتب أساليب عديدة للمفاجأة والدهشة في هذا الكتاب، فالحوار أساسا محاولة لدمج وعيين، وعي المحاور ووعي الشخصية التي تحاورها، في إطار لحظة زمنية معينة للوصول إلى رؤية محددة.