​"الطائفية".. تماماً مثل الذبابة!
  • Posted on

​"الطائفية".. تماماً مثل الذبابة!

ألّا تكون طائفياً لا يعني أن تتشدق أو تكتب في مواقع التواصل أو الصحف رأيك ضد الطائفية أو أن يعلو صوتك في هاشتاقات "تويتر" لفضح مغرد طائفي سني كان أو شيعي؛ فيما تضحك بملء قلبك وحيداً أو مع أصدقائك المقربين حين يصلك على هاتفك مقطع ساخر عن عادات ومعتقدات المختلفين مع مذهبك، وأنت تعلم أنّ من أعدّ هذا المقطع الضاحك أعده بغرض طائفي. ولماذا نذهب بعيداً؟ تتذكرون حلقة مسلسل "سلفي" التي تحدثت عن السني والشيعي، والتي وجدت استحسان كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لكن وبصراحة شديدة هذه الحلقة التي هدفت إلى نبذ الطائفية مارست تمييزاً عنصرياً ساخراً أيضاً لم يلتفت إليه أحد؛ وهو حين صورت الموقف التمثيلي لناصر القصبي رافضاً الجلوس في الطائرة بجوار امرأة سمراء من دولة أفريقية غير جميلة؛ وسؤالي لمن شاهد الحلقة: هل أضحكك الموقف فقط أم حرك داخلك استهجان العنصرية مثلما استهجنت الطائفية فيها؟! فمن ينبذ الطائفية لزام عليه نبذ العنصرية أيضاً؛ أم أنه الكيل بمكيالين، والتناقض المخُل في تناول بعض القضايا التي ننظر إليها من مساحة الاعتيادية كما هو الحال مع "الطائفية" التي بدا صوتها يعلو عربياً بعد أن أكلت الأخضر واليابس في العراق وسورية وقبلهما عاشت لبنان، ولا تزال للسبب ذاته دون رئيس جمهورية منذ عام.وأعود لأسأل باعتيادية: هل نحن طائفيون؟الإجابة المختصرة بـ"نعم" سيقولها كثيرون في ظلّ الأحداث السياسية التي تعيشها اليوم المنطقة؛ وفي ظلّ العمليات الإرهابية الداعشية التي تستهدف تأجيج الطائفية في دول الخليج الآمنة؛ إنما "نحن" لم تأتِ من فراغ؛ فماذا لو ضيقنا مساحة السؤال وأصبح: هل أنا طائفي؟! أعتقد ستجد الكثير يقول: "لا" لمجرد أنه لم يتورط في موقف طائفي مباشر؛ لكن هلّا دققنا في ممارساتنا اليومية التي نستخف بها قبل الإجابة.مثلاً؛ هلّ مرّ عليك مقطع مصور يسخر من المذاهب أو الأديان التي تخالف طائفتك، ووجدت نفسك غارقاً في الضحك استنقاصاً منهم؟! ثم شاركت استمتاعك أصدقاءك وأقاربك وقمت بنشره في الواتساب ومواقع التواصل الاجتماعي؟! هل وجدت نفسك مرة متحمساً لضحايا من مذهبك قضوا في تفجير ما بسبب مجرمين ينتمون إلى مذهب مخالف؛ وشعرت بغضب جعلك تضع الطيب والخبيث من ذلك المذهب في سلة واحدة، ومنهم جارك؟! هل تشعر بالارتياب و"الوسوسة" من زميل عمل لمجرد أنه ينتمي إلى طائفة غير طائفتك، رغم تعامله المحترم معك؛ فشيء ما في نفسك يجعلك تضع حواجز بينكما؟! ماذا لو كنت بين أصدقائك أمناء أسرارك؛ وصرحت بأن أسوأ الخيارات أنك تتسامح مع ذلك المذهب؛ لأن أصحابه شرّ لا بد منه؟! وغير ذلك من مواقف سطحية وعفوية، لكنها في جوهرها ممارسات تُخفي طائفياً كامناً ينتظر اشتعال عود الكبريت كي يُخرج ما في داخله من سوء؛ وكما يُقال "معظم النار من مستصغر الشرر"، لكن فيما يبدو أن لدينا ذاكرة "طائفية" تشبه ذاكرة الذبابة القصيرة جداً، فهي لا تتجاوز ثلاث ثوانٍ فقط وبعدها تنسى كل شيء! لذلك حين تُحلّق الذبابة حولك لتحط على أنفك وتهشها بعيداً؛ تعود إليك بعد ثلاث ثوانٍ؛ لأنها نسيتك ونسيت التهديد الذي يواجهها بضربة من جريدة أو مضرب يقتل أمثالها! ونحنُ مثلها في امتلاك هذه الذاكرة تماماً، إننا لا نتعلم من الأحداث والأزمات والحروب الدينية التي قَتل فيها المسلمون بعضهم بعضاً نتيجة تعصب لمذهب ما؛ هو مجرد اجتهادات بشرية فقهية تقدم لنا طريقة لتُنظم علاقتنا بالله تعالى، وليس ضرورياً أن نجبر الآخرين عليها.لقد مررنا في المنطقة خلال العقود الأخيرة بحروب دموية نشمئز منها في العراق وسورية، والآن يعيشها اليمنيون في عدن الذين يعانون جرائم الحوثيين، وكل هذه المجتمعات كانت تعيش في وئام يوماً ما؛ لكن الطائفية المختبئة تحت ثيابهم انتظرت اللحظة التي أجّجت فيها نيرانها؛ بل لم نتعلم من حروب الآخرين وأسبابها التي تُشبه أسبابنا كالحروب الطائفية التي عاشتها أوروبا عهداً من زمنها بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين وذهب ضحيتها مئات الآلاف من المسيحيين الأوروبيين؛ فقط لأننا ننسى سريعاً رائحة الموت التي تطوف بها "الطائفية" ونعود نكرر الأخطاء من جديد تماماً مثل الذبابة!بصدق؛ جزء من المشكلة لما نعانيه من ذاكرة "ذبابية" هو عدم الاعتراف بوجود مرض الطائفية؛ تماماً كما فعل أعضاء مجلس الشورى السعودي الذين صوتوا ضد نظام الوحدة الوطنية أخيراً؛ وكأن هؤلاء من كوكب المشترى وليسوا من كوكب الأرض؛ فتعاموا عن رؤية نيران الطائفية المشتعلة في دول الجوار والممارسات التحريضية البغيضة من بعض الطائفيين عندنا؛ وكأنهم غير مدركين الخطورة التي نتجت من تصويتهم ضد نظام وقوانين تحافظ على الوحدة الوطنية وتجعل الجميع أمام القانون متى تجاوز حدود احترام التعايش مع المختلف معه؛ فالقوانين وحدها تستطيع أن تطفئ الطائفية في مهدها، وتقضي على أي تحريض تكفيري أو دموي ممن يستغل غياب القوانين؛ فارضة قيمة الأخلاق والاحترام بين الناس والتي ستجعلهم شيئاً فشيئاً يستهجنون ويرفضون فعل شخص يتناقل مقاطع ساخرة عن عادات طائفة مخالفة له؛ لأن القوانين ستفرض الاحترام الذي يسمح بحرية لا تتجاوز إيذاء الآخرين ومشاعرهم الدينية. أخيراً؛ كي نعالج أمراضنا الاجتماعية علينا أن نفعل أمرين؛ الأول الاعتراف بوجود ذلك المرض كي نبدأ العلاج فعلياً، والآخر أن يكون العلاج عميقاً حيث الجذور، أي من تلك الممارسات السطحية التي نستخف بها وتخفي وجهها المقزز.