كيف واجه يوسف شاهين نكسة 67 في 5 أفلام؟.. وهذه القصة الكاملة للفيلم الذي تبرأ منه
  • Posted on

كيف واجه يوسف شاهين نكسة 67 في 5 أفلام؟.. وهذه القصة الكاملة للفيلم الذي تبرأ منه

6 أفلام قدمها يوسف شاهين بعد نكسة 67 ولكنه تبرأ من فيلم "النيل والناس" علنا، لتصبح 5 أفلام فقط هي الأرض، والاختيار، والعصفور، وعودة الابن الضال، وأخيرًا إسكندرية ليه؟، والتي تعد بمثابة صفعات سينمائية وجهها لواقع الهزيمة المرير ووقعها المدمر. الأديب والناقد السينمائي أحمد عبد المنعم، قال إن سينما يوسف شاهين متنوعة، حيث قدم أفلاما كوميدية، وتاريخية، وأخرى تعتمد على الإثارة والحركة، مشيرا إلى أن "شاهين" حاول خلال الـ20 عاما الأولى البحث عن بصمته الخاصة، وأنه بكل تأكيد قدم بعض الأعمال التي حملت سماته الفنية، غير أنها لم تكن بالنجاح أو القيمة الفنية التي جاءت مع أعماله التي تلت نكسة يونيو عام 1967. الناس والنيل.. هذا الفيلم أنكره "جو" بدأ شاهين تصوير فيلم "الناس والنيل" عام 1964 لكن أحاطت به مشاكل أدت لتصويره مرتين بأبطال مختلفين، وأُطلق عليه اسم "الفيلم المزدوج"، ليظهر في النهاية بشكل لم يرضِ غرور "جو" الفني نهائيا، ما دفعه لأن يتبرأ من الفيلم، في حواره مع ملحق السينما لجريدة الحياة في العدد رقم 13278. وتعود وقائع إنتاج نسختي فيلم "الناس والنيل" إلى العام 1964، حين كلفت المؤسسة العامة للسينما "شاهين" بإخراج فيلم ضخم ملون يمجد مشروع بناء السد العالي بالاشتراك مع الاتحاد السوفيتي، وبعد انتهاء "شاهين" من تصوير الفيلم الأول الذي أطلق عليه اسم "الناس والنيل" عام 1968، رفضته المؤسسة العامة للسينما، كما اعترض عليه الجانب الروسي، وبالتالي لم يعرض الفيلم وطلب منه تصوير فيلم جديد آخر حول الموضوع نفسه، وهو ما تم بالفعل وعرض الفيلم بنفس الاسم عام 1972، فيما اختفت النسخة الأولى من الفيلم تماما، حتى اكتشف "شاهين" أن هناك نسخة وحيدة منه موجودة في "السينماتيك الفرنسي"-دار حفظ الأفلام-، والتي أنقذت الفيلم بتوليها عملية ترميم النسخة وصنع نيغاتيف بديلا. ومع عرض الفيلم في بعض الصالات الباريسية تحت عنوان "النيل والحياة" وهو الاسم الذي أطلقه عليه "شاهين" قبل عرضه في فرنسا، ظن الكثيرون أنه فيلم "الناس والنيل" المعروض في العام 1972 وشارك في بطولته سعاد حسني وعزت العلايلي، والحقيقة أن الفيلم الذي عرض في فرنسا هو الذي شارك في بطولته عماد حمدي ومديحة سالم وزوزو ماضي، وهو النسخة الأولى التي ربما اختفت تماما عقب تنفيذها، ولم تجز عرضه الرقابة المصرية، وهو غير مسجل في دفاتر غرفة صناعة السينما المصرية. يروي "جو" حكاية رفض النسخة الأولى من الفيلم قائلا: " بعد الانتهاء من تصوير الفيلم أقمنا له عرضا خاصا وفوجئت بالكارثة، فالسوفيت لم يعجبهم الفيلم واتهموني بأني أظهرت النوبة أجمل كثيراً من موسكو ولنينغراد، والمسؤولون المصريون أبدوا غضبهم تجاه الفيلم واتهموني بأني جعلت المهندس الروسي يبدو وكأنه هو الذي بنى السد العالي وقللت من شأن المهندس المصري الذي جسد شخصيته عماد حمدي، بل أنهم أبدوا اعتراضهم على أشياء تافهة". صرخ "شاهين" في الجميع عقب سماع تلك الكلمات التي وقعت عليه كالكارثة: "إيه ده هو أنا بقال؟ ده عاوز حتة جبنة أكتر من ده"، ولكن كان رفض الجهتين ليمزقه –حسب تعبير- خصوصا أن الفيلم أعجبه للغاية وكان راضيا عنه، إلا أنهم تركوه جانبا أو وضعوه على "الرف" بحسب تعبير "جو"، وطلبوا منه تصوير فيلم جديد تكون بطلته سعاد حسني. هذا الطلب قابله يوسف شاهين باستهجان شديد ورد قائلا: "يا نهار أبيض فيلم صور بالفعل كيف نغير أبطاله؟"، مضيفا: "المهم صنعت معجزة وقمت بأخذ المشاهد التسجيلية التي صورناها لعملية بناء السد ومشاهد الممثلين الروس التي صورت في الاتحاد السوفيتي من نيغاتيف الفيلم، وأضفتها إلى الفيلم الجديد الذي صورناه بالممثلين المصريين الجدد سعاد حسني وعزت العلايلي ومحمود المليجي، وبالتالي دمر النيغاتيف، لكني لم أكن سعيدا أبدا بالفيلم لأنه مش فيلمي، كان طلبية أشبه بخدمة توصيل الطلبات إلى المنازل، وكأنهم يطلبون بيتزا، وليس فيلما، في النهاية هذا الفيلم أنا مليش دعوة به وبنكره تماما، لأني كنت بعمل حاجة أنا مش فاهمها". [vod_video id="cd5Aa1Z6IVg5B1n3f8fzmg" autoplay="1"] أقرأ أيضاً .. هل باع إسماعيل ياسين الوهم لجمهوره؟ .. بنى نجوميته على أنقاض كوميديان فرنسي ‏ ما بين الأرض وإسكندرية ليه.. ماذا حدث؟ ستأخذنا الأفلام الخمسة، إذا نظرنا إليها بعمق، إلى معرفة سمات فن "شاهين" بشكل كبير، فينهي فيلم "الأرض" عام 1969 مرحلة مهمة من مراحل عمره الفني، ليبدأ بعدها بعام مرحلة جديدة بإخراجه وكتابته لسيناريو فيلم "الاختيار" عام 1970، ومع الاختيار تبدأ سمات "شاهين" في الظهور وفرض نفسها بقوة، لتصبح منذ هذه اللحظة أفلامه معبرة عن رؤيته الذاتية للفيلم الذي يخرجه، دون التقيد بحسابات جماهيرية أو مالية، إذ كان الرجل قد وجد طريقه للإنتاج والتسويق الخارجي. [vod_video id="h58mGKdZzAfjQDXQ9O5Cw" autoplay="0"] يقول "شاهين" في حواره المنشور في مجلة "الفنون" ربيع عام 1971: "أستطيع أن أقول هذه أول مرة أكتب سيناريو ينبع كاملا مني، كنت دائما أتدخل في السيناريو وأوجهه، لكن هذا السيناريو مني أنا.. لقد ساعدتني بالصدفة ظروف مالية في أن أتفرغ لكتابة السيناريو قبل التصوير". الأرض "مطلب الجمهور" "الأرض" هو آخر أعمال شاهين الذي التزم خلاله بالسيناريو بشكل كبير، ولم يخرج عنه إلا في أضيق الحدود، واستطاع من خلاله أن يجسد القضية الوطنية في صورة الأرض التي يجب التمسك بها في مواجهة الأطماع، في ظل ظرف سياسي دقيق. يقول رئيس قسم النقد السينمائي بأكاديمية الفنون، الدكتور وليد سيف، إن فيلم الأرض يأتي كأحد أهم وأقوى الأفلام العربية تأثيرا، وهو على المستوى الفني يعد من أهم ما أنتجته السينما المصرية عبر تاريخها كله، فيما يرى الكاتب أحمد عبد المنعم أن أهم ما في الأرض أنه استطاع التعبير عن القضية بصورة رمزية لم تسقط في فخ المباشرة، ولم تنجرف ناحية الخطابة، فيصور القرية المصرية، ويستطيع التعبير عنها دون أن يخرج عن خط الحكي الرئيسي. [vod_video id="JdNUlbmKcFnEkFuPpUBKg" autoplay="0"] الاختيار ونقد الذات إذا كان "الأرض" يمجد كفاح الفلاحين، ويحرض على التماسك بعد الهزيمة، فإن "الاختيار" يوجه النقد إلى الذات، فيتحدث شاهين عن بطله سيد مراد المثقف الانتهازي الذي فضل النجاح الاجتماعي على الحرية، ويقول: "أرفض في سيد رفضه لمواجهة نفسه بالحقيقة، قبوله لبعض التغيرات في المجتمع دون أن يحاربها". يوجه الفيلم سهامه ناحية المثقفين، يحملهم جزءا من مسئولية الهزيمة، يعنفهم لأنهم حاولوا أن يميتوا في أنفسهم "محمود" رمز الحرية في الفيلم بالارتماء في أحضان السلطة. ويشير الفيلم على استحياء إلى حالة انفصال الأجيال التي نشأت بعد النكسة، والتي تتصاعد مع تتابع أفلامشاهين في تلك المرحلة لتصل ذروتها في عودة الابن الضال، ويقول شاهين في حواره مع الناقد السينمائي سامي السلاموني عن أزمة الأجيال: "كنت أريد من وراء شخصيتي فرج ورؤوف أن أؤكد على أن الأجيال المختلفة متكاملة، وأن أشير إلى الأمل في أن يفهم فرج -وهو رمز السلطة-أكثر، فيطور من ذاته". [vod_video id="qukrZbBf6vH7vuassMJuOQ" autoplay="0"] "العصفور".. صرخة الحرب وتشريح أسباب الهزيمة "العصفور" هو صرخة يوسف شاهين الأعلى في هذه السلسلة من الأفلام، رسالته بوضوح هي أن الفساد الداخلي هزمنا قبل أن تهزمنا إسرائيل، ويقول الناقد أحمد رمضان إن ميزة الفيلم هو أنه قدم تشريحا لأسباب الهزيمة دون دعائية، ودون إشارات فجة لثورة التصحيح التي قادها السادات، وهي المشاهد التي كانت تفرض على بعض الأفلام حينها. وضوح الفكرة هنا كانت رسالة يوسف شاهين التي لم يستطع كتمها، غير أن الرقابة حجبتها فمنعت عرض الفيلم، ولم يعرض إلا بعد نصر أكتوبر عام 1974، ليفاجئ المصريون حين مشاهدة الفيلم أنه يحوي الصرخة الأهم والأعلى، الذين كانوا يحتاجونها قبل الحرب "هنحارب". [vod_video id="l1vD83taq8zjnU2l2Nwirg" autoplay="0"] عودة الابن الضال واللقاء الحتمي عودة الابن الضال هو اللقاء الحتمي -بتعبير الدكتور وليد سيف- بين "جاهين وشاهين"، صلاح جاهين المؤمن كليا بثورة يوليو، والذي ينهار حلمه أمامه يوم 5 يونيو، يريد أن يعبر عن هزيمته، يريد أن يصرخ وينعي جيله المهزوم، وشاهين الخائف يقول في حواره مع الناقد "سمير فريد" في جريدة الجمهورية بتاريخ 14 أكتوبر 1976: "أنا خائف والخوف هو الدافع الرئيسي الذي جعلني أصنع هذا الفيلم، أنا خائف من عودة بعض الأشياء التي كانت قد اختفت من مصر مرة أخرى، إنهم يفهمون الانفتاح كما يفهمون الاشتراكية ..انفتاح لهم وحدهم واشتراكية لهم وحدهم". أطلق شاهين على الفيلم اسم "مأساة موسيقية"، وفي هذه المأساة يطلق النيران على الماضي بكل تعقيداته وصوره، ويعلن فشل المشروع الناصري، في تحقيق أحلام جيله هو وجاهين، ويصبح الأمل في النجاة هو وصول الجيل الجديد الذي مثله في الفيلم "هشام سليم" و"ماجدة الرومي" إلى الإسكندرية رمز الحرية والخلاص في سينما يوسفشاهين. [vod_video id="DbBbBD8KDCAAtTCsAK1EKw" autoplay="0"] أقرأ أيضاً .. الجانب المظلم الذي لا تعرفه عن نجوم الأبيض والأسود.. مواقف سوداء لخبث حليم وتلاعب نجاة وغيرة فايزة إسكندرية.. ليه؟ إسكندرية ليه هو آخر أفلام يوسف شاهين في مرحلة السبعينيات، الفيلم الذي يشهد اكتمال مرحلة تطوره الفني، وانفصاله الكامل عن التكنيكات المباشرة، وإن كانت الثلاثية السابقة تحكي عن تصوراته وقناعاته الفكرية، فهو في "إسكندرية.. ليه؟" يحكي عن ذاته بشكل مباشر، وهي رحلة الحكي التي تمتد من 1978 حتى 2004 حين يخرج آخر فيلم في سلسلة من أربعة أفلام يتحدث فيها عن نفسه بعنوان "إسكندرية.. نيويورك". ورغم عدم ارتباط "إسكندرية ليه" بنكسة يونيو 67 أو بالتحولات التي صاحبتها، إلا أنه مهم كنقطة انطلاق لما بعد مرحلة السبعينيات، ومهم أيضًا في عملية فهم المرحلة التالية عليه، ومهم للإجابة على السؤال الذي حمله الفيلم، إسكندرية..ليه؟! [vod_video id="lfl0coqbQAnL5vg89ys66g" autoplay="0"] المحاكمة ورغم اتفاق الجميع على أهمية يوسف شاهين كمخرج، إلا أن ما قدمه خلال فترة السبعينيات، أثار عواصف من النقد، فبعد عرض "إسكندرية ليه"، كتب سامي السلاموني في مقاله لـ"الإذاعة" بتاريخ 22 سبتمبر 1979: "القضايا في أفلامه الأربعة الأخيرة واضحة جدًا ...لكن أسلوب التعبير عنها غامض جدًا ومليء بالتخبط والتشويش"، وعاد ليقول: "أدعو للحجر عليه، ومنعه بحكم القانون من الاقتراب من مسألة السيناريو والحوار والمونتاج، إذا كان هذا ممكنًا، فلدينا مخرج عظيم ولابد أن نحميه من نفسه". الحديث الذي يعقب عليه الدكتور وليد سيف، فيؤكد اختلافه مع هذا الطرح، موضحًا أن المخرج هو المسئول عن فيلمه، وبالتالي له الحق في توظيف السيناريو بما يحقق رؤيته، والسينما هي لغة صورة، ودور المخرج ليس فقط تحديد زوايا الكاميرات، وحجم الكادر، وإنما يجب أن يملك تصورًا كاملًا لفيلمه. ويضيف: "بالنسبة لموضوع عدم قدرة الجمهور -وقت عرض الأفلام- على فهم ما يقدمه شاهين، فلا أعتقد أنه قصد التعالي على الجمهور، ربما أعتقد أن ما يقدمه مفهوم"، مشيرًا إلى أننا نشاهد أفلامه ونشعر أنها نحسها مفهومة، لأن تطور السينما جعلنا أكثر إدراكا، وإيقاع السينما السريع جعل إيقاع أفلامه عاديا، والمونتاج لم يعد متوترًا كما سبق، مؤكدًا أن شاهين كان سابقًا لجيله، وربما كان لديه بعض مشاكل في التأسيس للشخصيات، وبعض مشاكل في اختياراته لأبطال بعض أفلامه الذين كانوا يحاولون تقليد أداؤه الشخصي، لكنه يبقى علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية والعربية وتبقى تجربته ثرية، أثرت في أجيال. المصدر : حسين السيد  ـ روتانا