كيف تمتلك " بيت العمر " في السعودية؟
  • Posted on

كيف تمتلك " بيت العمر " في السعودية؟

تناول كاتب سعودي في مقال رأي له نُشر في صحيفة " عكاظ" في عددها الصادر يوم أمس الجمعة، قضية تؤرق السعوديين، والتي تتمثل في طموحاتهم بامتلاك " بيت العمر"، دون اللجوء لقروض تستغل حاجاتهم. وعرج الكاتب السعودي خالد عباس طاكشندي على الأسباب الكامنة لهذا الطموح، حيث ألقى باللوم على المواطنين ذاتهم، لأنهم قرنوا أنفسهم بشراك البنوك – حسب وصفه-. وقدم طاكشندي حلولاً واقعية تمكن المواطنين من امتلاك " بيت العمر" بدون أي مشكلات تعود عليهم، مؤكداً أن الأمر يحتاج بناء المفاهيم الأساسية، لديهم، لأن هناك شريحة كبيرة منهم  لا يدركون أن عليهم واجبات مقابل الحقوق التي يطالبون بها. *********************************************** وإلى نص المقال كاملاً: شاهدت في الآونة الأخيرة، العديد من الآراء والتعليقات في السوشيال ميديا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدثون عن العوائق التي تقف أمام طموحاتهم في امتلاك «بيت العمر»، وكان اللافت هو اتفاق الكثيرين بأن أسباب تأخر صندوق التنمية العقارية عن تمويل المواطنين الطامحين لامتلاك منزل نتيجة لعدم التزام شريحة كبيرة من المواطنين الحاصلين على قرض الصندوق بالسداد، ومخاطر اللجوء إلى البنوك للحصول على قروض تمويلية، لأن الأخيرة تستغل حاجة المواطن وتفرض عليه نسبا ربحية قاتلة، تضيع عمره في سداد ما يعادل أكثر من ضعف قيمة العقار الذي يأمل المواطن في تملكه.. أقف عند هذا الحد، وأؤكد أن هذا الوضع أشبع طرحه من قبل المسؤولين والمحللين الاقتصاديين والمهتمين بهذا الشأن دون أن ينعكس على سلوك المواطن الذي يعد في نظر الكثير من المراقبين بأنه الحجر الأساس في هذا الإشكال، حتى أن أكبر مسؤول عن قطاع الإسكان يؤمن بأن المشكلة بالأساس متعلقة بالفكر، ويقصد بذلك المواطن، فهل هو بالفعل سبب المشكلة؟! فكر المواطن وسلوكه وجهله بكيفية إدارة موارده المالية بالإضافة إلى بعض الموروثات الاجتماعية حول هيئة مسكنه، هذه هي قضية الإسكان في ظاهرها، والدولة قامت بتوفير قروض ميسرة للمواطن تتماشى «نوعيا» مع متطلباته من خلال مشروع صندوق التنمية العقارية «غير الربحي»، والذي ابتدأ في إقراض المواطنين لمساعدتهم على إقامة مساكن خاصة لهم منذ عام 1395 برأسمال قدره ربع مليار ريال ثم تضاعف هذا الرقم إلى أن بلغ قرابة 230 مليار ريال حتى نهاية العام 1435، وساهم في تمويل أكثر من 928 ألف وحدة سكنية بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الصندوق، وما زال حجم طلبات القروض كبيرا وبما يفوق 594 ألف طلب، لذلك أطلق صندوق التنمية العقارية، العام الماضي برنامج «القرض المعجل» ليمكن من يرغب من المتقدمين على قوائم انتظار القرض من التوجه إلى بعض البنوك التي اتفق معها الصندوق على دفع تكلفة القرض إليها، وذلك وفقا لبعض الاشتراطات، من بينها أن لا تكون على المستفيد التزامات مالية، إضافة إلى قدرته على سداد القرض من راتبه على فترة عشر سنوات. المشكلة التي تراكمت مع الوقت هي عدم الالتزام بالسداد في المقام الأول، وعجز الآلاف عن السداد، مما تطلب إعفاء العديد منهم، واستدعى الأمر تحرك الجهات المسؤولة، في وزارة المالية والإسكان والصندوق العقاري وغيرها، لدراسة عدد من الحلول، وتم على أثرها التعاقد مع الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية «سمة» قبل ثلاث سنوات لضبط المتأخرين عن السداد وبالتالي تعجيل سير حركة الإقراض، ولكن هذا التوجه أتى متأخرا، وبعد تفاقم المشكلة لسنوات عديدة، مما جعل الحل غير ملموس بشكل كبير وفاعل. هذه الظروف، دفعت العديد من المواطنين للاتجاه إلى شراك البنوك، التي لم تفرض عليها قيود صارمة من قبل مؤسسة النقد والجهات المعنية في تحديد وضبط «هامش الربح»، ومن هنا تضاعفت المشكلات، التي أدخلت العديد من المواطنين في دوامة أعباء مالية لا طائل لها. وبالتالي، قضية الإسكان والقروض العقارية ليس المتسبب فيها المواطن وحده، فمنذ نشأة صندوق التنمية العقارية كانت هناك شريحة كبيرة من المقترضين ترى أن هذا القرض منحة مجانية أو تعامل مع القرض بهذا الشكل لأن الجهات المقرضة لم تفرض عليه قيودا تضمن الالتزام بالسداد، والجهات المسؤولة لم تتحرك إلا بعد «خراب مالطا». المهم في هذا كله، أن نعود لبناء المفاهيم الأساسية، فهناك شريحة كبيرة من المواطنين لديهم مشكلات عدة في إدراك أن عليهم واجبات مقابل الحقوق التي يطالبون بها، وتولدت لديهم مفاهيم سلوكية بأن الدولة يجب أن تبقى «ريعية»، أي توفر لهم مجانا السكن والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية، ويضعون أمامهم مقارنات غير منطقية مع دول أخرى مثل «الإمارات» و«بروناي»، ويتغافلون أن أقوى اقتصادات العالم لم تتطور إلا بمساهمة مواطنيها في بناء أوطانهم، وأن المواطن في غالبية دول العالم الأول يساهم بجزء من دخله مقابل ما يوفر له من خدمات مثل السكن والصحة والتعليم والمواصلات وغيرها. ويبقى القول.. حتى وإن تأخرنا في بناء هذه المفاهيم الأساسية وتقويم بعض السلوكيات والمفاهيم الخاطئة، وبالتالي وجدنا أنفسنا أمام متغيرات تفرض نفسها علينا، بدلا من أن نتهيأ لها، حان الوقت نحو بناء قناعات جديدة لدى المواطن ووعيه بالواجبات والحقوق وانعكاس ذلك على التنمية المستدامة ورغد العيش، أو كما قال المفكر الأمريكي الراحل أوريسون سويت ماردن: «الذي يعطل الكثير من الناس عن تحقيق أهدافهم، هو ببساطة عدم الاستعداد لدفع ثمن هذه الأهداف، عدم الاستعداد لبذل الجهد الشديد، عدم الاستعداد للتضحية براحتهم».