كوستاريكا تعيش معجزتها الخضراء
  • Posted on

كوستاريكا تعيش معجزتها الخضراء

تعرّف كوستاريكا نفسها وبفخر كواحدة من أكبر الدول الرائدة في مجال الطاقة وهذا ليس من فراغ، حيث أن عاصمتها سان خوسيه كانت بعد نيويورك وباريس ثالث مدينة مضاءة بنور كهربائي.وتكشف البيانات الأخيرة للمعهد الكوستاريكي للكهرباء أرقاما ليست بأقل روعة، فطوال 75 يوما منذ بداية عام 2015 تمكنت الدولة من تغطية احتياجاتها للطاقة بمصادر للطاقة المتجددة، وهذا ما لم يتم تحقيقه من قبل في أي دولةٍ حتى الآن. بالطبع لاتزال الكثير من الأنشطة تعتمد على الوقود الأحفوري في البلاد كالنقل باستخدام السيارات والوسائط الأخرى إلا أن ما تم فعله في مجال الطاقة الكهربائية يبقى جديراً بالاحترام. وينظر العالم بدهشة للبلد الصغير الواقع بوسط أمريكا فعلى الرغم من أن عددا من الجزر وبعض الدول المشمسة تتمكن من التعامل مع مسألة الطاقة دون الوقود الأحفوري أو الطاقة النووية، إلا أن القيام بهذا الأمر لمدة شهرين ونصف تقريبا يعتبر رقما قياسيا.في الوقت الذي تبدو فيه أغلب الدول المتقدمة على الصعيد العالمي تعاني من أجل اضافة ميجاوات أو اثنين من الطاقة النظيفة، فإن كوستاريكا تظهر كما لو كانت حسمت مستقبلها بالفعل في هذا الصدد.على الرغم من هذا فإن ذلك البلد البالغ تعداده أربعة ملايين و800 ألف نسمة لا يمكن اعتباره نموذجا للدول الصناعية الكبرى، فهو ليس لديه بنية تحتية صناعية عملاقة تستهلك الطاقة بصورة كبيرة، حيث أن اقتصاده يعتمد على قطاعات السياحة والزراعة وليس القطاع الصناعي كثيف الاستهلاك للطاقة مثل التعدين والصناعات الثقيلة، فيما أن نسبة 100% من توريد الطاقة المتجددة كان ممكنا بسبب ظروفه البيئية: الأمطار التي نادرا ما تكون قليلة ملأت السدود وعرفت الدولة كيف تستغل الأمر، أخذا في الاعتبار أن 80% من طاقتها المتجددة هي في الأساس طاقة كهرومائية.يقول تاباريه ارويو كوراس، صاحب دراسة للصندوق الدولي للطبيعة حول الطاقات المتجددة في أمريكا اللاتينية إن "على الرغم من هذا يمكن لدول أخرى التعلم من تجربة كوستاريكا في هذا المجال الحيوي".ويرى الخبير أن كوستاريكا تعد نموذجا إيجابيا حيث نجحت في السير بخطوات كبيرة للأمام خاصة وأن الساسة راهنوا منذ فترة ومبكرا على الطاقات المتجددة، فمنذ خمسينيات القرن الماضي تنتج كوستاريكا طاقة كهرومائية.صرح أرويو كوراس "عمليا أي دولة في العالم لديها قوة ضخمة لاستغلال الطاقات المتجددة، ولكن المشكلة في أن الجميع لا يفكر بهذه الطريقة ويراهن عليها دون خوف".وعلى أي حال تحتل كوستاريكا وضعا أفضل بين جيرانها نيكاراجوا وبنما اللتين وفقا للخبير تتمتعان بوضع جيد في طريق السباق نحو الاعتماد على الطاقات المتجددة.ليس من الضروري أن تكون كل الأمور دائما على يرام، حيث إن الاعتماد بصورة كبيرة على الطاقة الكهرومائية يشكل خطرا بالنسبة لكوستاريكا، فخلال السنوات الأخيرة كانت هنالك فترات لم يتوقف فيها سقوط الأمطار ولكن في نفس الوقت كانت هناك مواسم أخرى دون قطرة مطر واحدة، كما تقول ماندريد هايبيج من الوكالة الألمانية للتعاون الفني.وتساعد هذه الوكالة الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى على تطوير امكانياتها وقدراتها للتعامل مع مصادر أخرى للطاقة المتجددة مثل طاقة الشمس وطاقة الرياح.وتضيف الخبيرة "التغير المناخي ربما يصبح مشكلة بالنسبة لكوستاريكا، فعلى سبيل المثال إذا توقفت الأمطار العام المقبل فإنها ستضطر لاستيراد أنواع الوقود الحفري الغالية، لذا فإن تنويع مصادر الطاقة لديها أمر يحبذ تفعيله للغاية".وبما أن الأرقام لا تكذب، فإن كوستاريكا تتعامل مع مسألة الطاقات المتجددة بجدية، ففي الفترة بين عامي 2006 و2013 استثمرت تلك الدولة الصغيرة ما يقرب من مليار و700 مليون دولار في قطاع الطاقات المتجددة، وهو الرقم الذي يعد ضخما للغاية مقارنة بحجمها. وكانت نسبة 40% من حجم هذه الاستثمارات موجهة لتطوير الطاقة الشمسية والهوائية والحرارية الجوفية، ومن المتوقع أن تزداد مساهمات الطاقة الهوائية في خليط الطاقة الكوستاريكي إلى 350 ميجاوات قبل نهاية العام الجاري.ويعد التحدي القائم كما كشفت السلطات الكوستاريكية منذ خمس سنوات في مؤتمر المناخ بمدينة كانكون المكسيكية، هو أن تصبح البلاد بحلول 2021 أول دولة في العالم تغطي احتياجاتها من الطاقة بشكل دائم عن طريق مصادر متجددة.