حياة مؤذن في اسطنبول
  • Posted on

حياة مؤذن في اسطنبول

لكي يؤدي المسلمون فريضة الصلاة خمس مرات في اليوم، يُرفع الآذان ليتردد صداه من فوق آلاف المآذن المنتشرة في أرجاء مدينة اسطنبول. يردد نحو ألفين إلى ثلاثة آلاف مؤذن نداء الصلاة الله أكبر .. الله أكبر، الذي يطغى على ما عداه من أصوات، فيهرع ملايين المسلمين من سكان المدينة التركية لأداء صلاتهم في خشوع متجهين إلى الله في صعيد واحد .من فوق مئذنة الجامع الأزرق، الأشهر في تركيا، يصدح صوت المؤذن إبراهيم التونتطاس عالياً عبر مكبر الصوت، بينما انسدلت جفونه في خشوع وارتفع كفاه ليحاذيا أذنيه لمزيد من التركيز، فيما أخذ حاجباه الكثيفان يتغضنان وينبسطان مع تماوج درجات صوته ارتفاعاً وانخفاضاً، والذي يبدو برغم ضآلة حجم صاحبه، أنه لا يحتاج لأي مكبرات صوت لكي يتجاوز الفضاء صاعداً عبر المئذنة .عندما يهبط درج المئذنة الحلزوني، يساعده حارس أمن ممسكاً بذراعه لكي يقتاده إلى المنبر داخل المسجد، نظراً لأن الشيخ التونتطاس كفيف البصر، منذ مولده، إلّا أنّ هذه الإعاقة لم تَحُل مطلقاً بين أدائه لعمله، حيث عوضّه الله بسمع حاد وحلاوة صوت لا نظير لهما. يؤكد المؤذن أنه علّم نفسه بنفسه، حيث كان يستمع في طفولته لتلاوة القرآن واستطاع أن يحفظه كاملاً عن ظهر قلب بهذه الطريقة، وقد أعجب مشايخ القراء بأدائه فشجعوه على تعلم التجويد وأحكامه، وكان من بين هؤلاء الأساتذة الشيخ ذائع الصيت إسماعيل بشر (1947-1998). وقد بدأ الشيخ إبراهيم عمله كمؤذن بالمسجد الأزرق منذ ثلاث سنوات .بعد رفع الآذان من على المئذنة، كما جرت العادة في المسجد الشهير، يقوم الشيخ الضرير، برفع نداء الإقامة من داخل المسجد، إيذاناً بوقوف المصلين لأداء الصلاة. يدخل ضمن وظائف الشيخ إبراهيم أيضا ترديد التكبيرات خلف الإمام المعروفة بـ"وظيفة المبلغ" لكي يصل الصوت إلى آخر صفوف المصلين، كما يقع على عاتقه، قراءة القرآن أو التواشيح الدينية، بين الآذان والإقامة في الصلوات الجهرية "المغرب والعشاء"، فضلاً عن تلاوة الأدعية في ختام الصلاة، بالإضافة إلى قراءة سور القرآن قبل انطلاق مدفع الإفطار طوال شهر رمضان، ويدخل ضمن مهامه أيضا ترديد الآذان الثاني قبل خطبة الجمعة وأداء صلاة الجنازة على المتوفي الذي يصل عليه في المسجد .بدأ الشيخ إبراهم عمله كمؤذن ومقيم شعائر لأول مرة وهو في الثالثة والعشرين من عمره، بمدينة بورصة، شمال غرب تركيا بين اسطنبول وأنقرة، ساعده ذلك على استكمال دراسته وتأهله بصورة جيدة للحصول على عمله الحالي كمؤذن ضمن فريق مقيمي شعائر المسجد الأزرق والذي يضم أربعة مؤذنين آخرين غيره. "إنها مسؤولية كبيرة القيام بوظيفة مؤذن في جامع شديد الأهمية مثل المسجد الأزرق"، يؤكد إبراهيم . جدير بالذكر أنّ مؤذني ومقيمي شعائر المسجد الأزرق يعدّون الأفضل بين العاملين في هذا المجال على مستوى البلاد بالكامل، بحسب ما يؤكده إمام المسجد الشيخ اسحق جيزيلصلان (Ishak Kizilaslan). للحصول على هذا المنصب الذي يضم نخبة المؤذنين، موضحاً : "تعتبر الممارسة والدراسة من الأهمية بمكان، كما لو كان الساعي ورائها يتدرب للحصول على وظيفة مغني سوبرانو بالأوبرا، لا يكفي أن يتحلى المؤذن بحلاوة الصوت فقط، على الرغم من أن هذا يعد أحد الشروط الأساسية للحصول على وظيفة مؤذن، حيث يتعلم راغبو الحصول على وظيفة المؤذن على أيدي مشايخ متخصصين، يحرصون على انتقاء تلاميذهم الذين يتمتعون بحناجر واعدة لتلاوة القرآن ورفع الآذان " .بالنسبة للشيخ إبراهيم، فإنه يرى أن مجهوداته وتدريباته، كانت تستحق المعاناة التي تكبدها. جدير بالذكر أن إبراهيم نافس في الكثير من مسابقات التجويد وتلاوة القرآن التي تشتهر بها تركيا، وحصل على العديد من الجوائز والتكريم مما عزز فرصته للحصول على وظيفة المؤذن بالمسجد الأزرق، وقد حقق صيتاً طيباً بعد حصوله على هذا المنصب الهام، كما بدأ التليفزيون يستضيفه لتلاوة القرآن وإلقاء بعض الأدعية والتواشيح، حسب قوله. يحظى الشيخ إبراهيم باحترام كبير بين المصلين والمترددين على المسجد الشهير، فبمجرد أن يهم بالوقوف، يهرع إليه الكثيرون ليأخذوا بذراعه لكي يساعدوه على العثور على طريقه والسير نحو مكتبه بالمسجد، أو المنبر أو مقعد المقرئ أو درج المئذنة .