بعد نصف قرن من تصوير الفيلم.. مدينة صوريا الإسبانية تتذكر عمر الشريف
  • Posted on

بعد نصف قرن من تصوير الفيلم.. مدينة صوريا الإسبانية تتذكر عمر الشريف

تتذكر مدينة صوريا، واحدةً من أكثر مدن إسبانيا برودة، وربما كان هذا سبب تراجع الكثافة السكانية بها بشكل ملحوظ، تتذكر هذه المدينة الإسبانية جيداً شتاء عام 1965، الذي على غير العادة جاء أقل برودة وأكثر اعتدالاً مقارنة بالسنوات السابقة، فكانت المدينة واحدة من بين القليل من مدن أوروبا التي لم يسقط بها جليد هذا العام. ولا يعلم أحد حتى الآن أكان هذا لحسن حظ أم سوء طالع المدينة التي كان المخرج البريطاني ديفيد لين قد اختارها لتصوير المشاهد الخارجية لواحد من أهم أفلام السينما العالمية في القرن العشرين وهو "دكتور زيفاجو"، بطولة النجم المصري العالمي الراحل عمر الشريف وجيرالدين شابلن، نظراً للتشابه بينها وبين المدن الروسية التي تدور فيها أحداث الرواية التي كتبها بوريس باسترناك.عن تفاصيل تصوير الفيلم يتحدث المصور الإسباني تيودور دي ميجل (82 عاماً) قائلاً: "على مدار أيام ظلت عيون فريق العمل شاخصة نحو السماء على أمل هطول الجليد في أي لحظة، كي تصبح أجواء المدينة قطعة من روسيا".. خلال تلك الفترة، حرصت على التقاط صور بالأسود والأبيض للممثلين ولفريق العمل، لا تُقدر قيمتها بثمن الآن، بعد مرور نصف قرن على إنتاج الفيلم". يتذكر المصور الإسباني، قائلاً: "كنت أقف على مسافة متر من ديفيد لين، ولكن لم يكن بوسعي الحديث معه لأني لم أكن أتحدث الإنجليزية. أما جيرالدين شابلن، فقد التقطت لها صورة بورتريه، أثناء انتظار وصول الطعام في استراحة الغداء، قبل تصوير مشهد القطار".على الرغم من مرور نصف قرن على تصوير الفيلم، فإن ميجل والكثير من سكان صوريا، لا يزالون يتذكرون بحنين وفخر تلك الفترة حين تحولت البلدة بشوارعها وروابيها ومحلاتها وحتى محطات القطار بها إلى خلفيات لمشاهد الفيلم المفترض أن أحداثه تدور في روسيا. فكما هو معروف تتناول الأحداث قصة الطبيب يوري زيفاجو، خلال فترة نهاية حكم آخر قياصرة روسيا من آل رومانوف، ثم اندلاع الثورة البلشفية عام 1917، أثناء احتدام الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وصولاً إلى عصر الدكتاتور جوزيف ستالين.وقع اختيار شركة مترو جولدوين ماير على إسبانيا بعد طول بحث بين مدن أوروبا، من أجل العثور على أماكن وأجواء تشبه روسيا في تلك الفترة، وتم الاستقرار على إسبانيا بعد استبعاد كل من فنلندا بسبب سوء الأحوال الجوية، والاتحاد اليوغسلافي لعدم توافر الإمكانيات اللازمة للتصوير، والاتحاد السوفيتي نفسه، نظراً لأن الرواية كانت ممنوعة هناك في ذلك التوقيت بأمر من الحزب الشيوعي لأسباب سياسية.تم تصوير بعض المشاهد في ضواحي مدريد وسلمنكة وسيجوبيا، ولكن من أجل إضفاء المزيد من المصداقية على المشاهد الخارجية كان لابد من البحث عن مكان أكثر برودة، ويغزر فيه هطول الجليد، حينئذ لم يكن أمام شركة مترو سوى نقل التصوير إلى مدينة صوريا. بالرغم من ذلك اختارت الطبيعة العناد، فلسوء الحظ لم يهطل أي مطر خلال شتاء عام 1965، وبناء عليه اضطر صناع الفيلم لاستخدام جليد صناعي مكون من الجبس والقطن الأبيض وكسر الرخام، مما زاد من صعوبة المهمة وتأخير إنجاز المشاهد، ولكن مع ذلك بمرور الزمن أصبح الفيلم واحداً من كلاسيكيات السينما العالمية، ونال في ذلك العام خمس جوائز أوسكار.وفي تصريح لـ( د .ب. أ ) قال سانتياجو توريس، أحد مساعدي الكاميرا: "كان إنجاز الفيلم مهمة في غاية الصعوبة، حيث بلغ تعداد فريق العمل من فنيين ومتخصصين نحو 300 شخص، بالإضافة إلى المجاميع". ويحكي توريس: "انضممت إلى فريق العمل في الثالث من يناير، بعد بضعة أيام من بلوغي السابعة والعشرين، وقتها قال لي مدير التصوير مانويل برينجر: "الشباب داء يُشفى الإنسان منه بمرور الزمن"، يتذكر توريس بمرح.استمرت عملية التصوير على مدار عشرة أشهر، أظهر أهالي صوريا خلال تلك الفترة ودهم وكرم ضيافتهم لنجوم هوليوود، وعاشوا أياماً سعيدة بالقرب من نجوم هوليوود مثل الراحل عمر الشريف، الذي لا يزالون يذكرونه إلى الآن، خصوصاً أن والدته عاشت لفترة في مدريد، وجيرالدين شابلن وجولي كريستي وإليك جنيسيس، حين كانوا يتنزهون في حدائقهم أو يتناولون وجبة خفيفة في حاناتهم. يقول توريس: "لدرجة أن سكان المدينة التسعة آلاف تحولوا إلى جزء من المجاميع التي ظهرت في الفيلم".يضيف توريس: "في أحد المشاهد يخاطب دكتور زيفاجو (عمر الشريف) زوجته تونيا (جيرالدين شابلن) قائلاً: انظري إنها الأورال. لكن في الحقيقة هذه الجبال لم تكون سوى سلسلة مونكايا أعلى قمم البرانس التي تفصل فرنسا عن إسبانيا. أما قصر فاريكنو فقد تم تشييد ديكوراته في بلدة كانديليتشيرا، حيث لجأت إليه أسرة تونيا بعد سقوط حكم القياصرة بعد الثورة. وقد استخدمت غابات الصنوبر في بلدة سان ليوناردو كخلفية لمشهد القطار، أما محطة كانيويلو فقد تم تغطية جدرانها بالكامل بإعلانات ولافتات روسية لإضفاء المزيد من المصداقية على المشهد".يؤكد صراف المحطة: "الجميع هنا يتذكرون تلك الأحداث التي وقعت قبل نصف قرن. أكثر من نصف سكان المدينة استخدموا كمجاميع. أثناء التصوير كانت في الثامنة من عمري، وكنت أقف في هذا المكان على الرصيف. أذكر أن الجو كان شديد البرودة، ولكن لم يتساقط أي جليد فاضطروا لاستخدام الجليد الصناعي".قبل نصف قرن، كانت مدينة صوريا واحدة من بين المدن الريفية البسيطة في إسبانيا الواقعة تحت حكم نظام الدكتاتور فرنسيسكو فرانكو (1939-1975). ومع ذلك يعد تصوير دكتور زيفاجو بها حدثاً ثورياً بكل المقاييس في تلك الفترة، حيث فتح المدينة على العالم وغيّر مجريات الأمور بها ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.يقول مسؤول العلاقات الثقافية ببلدية صوريا خيسوس بايس: "كم كانت ذكرى جميلة بالنسبة للجميع، سواء الذين شاركوا في الحدث أو الذين عاصروه.. نحن جميعاً نشعر بالفخر لمشاركتنا في حدث عظيم كهذا، ولهذا نفكر في إقامة معرض خلال شهر سبتمبر الجاري يضم مقتنيات أهالي البلدة عن الأحداث في تلك الفترة، بالإضافة إلى فيلم وثائقي عن "دكتور زيفاجو"، لأن الذكرى الجميلة التي تركها الراحل عمر الشريف وديفيد لين لا تزال ماثلة في أذهان أهالي صوريا إلى اليوم".