"المتاجرة بالدين".. أسهل وسائل التربح وأكثرها أماناً!
  • Posted on

"المتاجرة بالدين".. أسهل وسائل التربح وأكثرها أماناً!

لم يعد الكثيرون يخجلون من استخدام الدين ستاراً للتربح من خلفه لتحقيق الثروات أحياناً، بعدما انتشرت في السبعينات والثمانينات ظاهرة التربح عن طريق ادعاء المشيخة والقدرة على التعامل مع الجن وتحسين "الحظ" والتحكم في الأقدار، تنتشر اليوم ظاهرة المتاجرة بالدين عبر استخدام المشيخة والعلوم الدينية والإفتاء لكسب ثقة الناس والتربح من خلفهم!وتكشف تقارير عالمية أن دخل عدد من أشهر المشايخ ممن يتمتعون بجماهيرية كبيرة بين المتلقين الذين يثقون بهم كثيراً قد يصل في العام الواحد إلى مليونين أو ثلاثة ملايين دولار، ما تسبب في فجوة كبيرة بينهم وبين جماهيرهم التي كانت تثق بهم ثقة عمياء في السابق، حتى إنه في عام 2007م وصل الأمر ذروته بعدما تقدمت برامج هؤلاء المشايخ وحساباتهم البنكية وأعداد جماهيرهم كل شيء، لدرجة أنهم كانوا متحكمين رئيسيين بمسار الأمور فإن قالوا يميناً تبعهم الجميع وإن قالوا يساراً تبعوهم أيضاً.إلى أن جاء الربيع العربي ففضح من فضح منهم، وكشف نوايا كثيرين بينهم، لتشهد جماهيريتهم هبوطاً واضحاً بعد سنوات من التربع على عرش الثقة، بينما ما زال البعض وحتى اللحظة يحاولون جاهدين استثمار من تبقى منهم للتربح من خلالهم وإرباحهم أيضاً عبر خدمات يطلقونها بأصواتهم أو كتب يصدرونها بأسمائهم أو برامج اتصال ومراسلات مكلفة يبثونها على شرفهم.كانت الكاتبة والإعلامية السعودية الدكتورة بدرية البشر قد انتقدت هذه الظاهرة سابقاً متسائلة: "هل يحق لمن يعظ الناس أو كما يقول يدعو إلى الله أن يحصل على نقود؟ ليس هذا فقط، بل يحيط نفسه بهالة مقدسة تحميه من النقد وتبارك أقواله؟".بينما يؤكد الكاتب ممدوح إسماعيل أن حدوث بعض التغييرات على حالة الدعوة وبعض الدعاة كان أمراً لافتاً، مضيفاً: "كان أبرز ما صاحب ذلك الظهور الإعلامي هو حدوث تغير اقتصادي، وثراء لافت لبعض الدعاة نتيجة دخلهم من الفضائيات، رغم أن الدعوة إلى الله عملٌ ورسالةٌ نبيلة، فهي رسالة الأنبياء والرسل، ولكن عندما يختلط حب الدنيا وزينتها بالقيام بالرسالة يحدث التغيير في شكل ومضمون الدعوة والدعاة، وحب الدنيا ملازم لكل إنسان، ولكن الداعية المفروض أنه قدوة مطلوب منه مجاهدة حب الدنيا، وصدق السلف الصالح عندما قالوا: "لو لم يكن لنا ذنوبٌ نخافُ على أنفسنا منها إلا حب الدنيا لخشينا على أنفسنا منها"، لافتاً إلى أنه لا يعترض على حق كل إنسان في الثراء الحلال ولا في مسايرة أنماط العصر الاقتصادية ولا يفتش بالسرائر ولكنه يقول ويحكي ما يحدث في الظاهر من بعض السلبيات التي تركت دخاناً على وجه الدعوة الإسلامية الأبيض المضيء. وعن الحكم الشرعي للمتاجرة بالدين وعلومه، يقول الكاتب يوسف أبا الخيل: "رأى الإمام القرطبي في قول الله تعالى: "ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون"، أن" هَذِهِ الآية وَإِنْ كَانَتْ خَاصَّة بِبَنِي إِسْرَائِيل فَهِيَ تَتَنَاوَل مَنْ فَعَلَ فِعْلهمْ. فَمَنْ اِمْتَنَعَ مِنْ تَعْلِيم مَا وَجَبَ علَيْهِ أَو أَدَاءِ مَا عَلِمَهُ وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذ عَلَيْهِ أَجْراً فَقَدْ دَخَلَ فِي مُقْتَضَى الآية وَاَللَّه أَعْلَم"، إضافة إلى ذلك، فقد أورد جملة من الأحاديث النبوية التي تسير في الاتجاه ذاته، اتجاه حرمة أخذ العوض من تعليم الدين، منها ما رواه أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لا يَتَعَلَّمهُ إِلا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِد عَرْف الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة". ومنها حديث أَبي هُرَيْرَة أيضاً قَالَ: قُلْت يَا رَسُول اللَّه مَا تَقُول فِي الْمُعَلِّمِينَ قَالَ: "دِرْهَمهمْ حَرَام وَثَوْبهمْ سُحْت وَكَلامهمْ رِيَاء"، وكذلك، ما رواه عُبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ : عَلَّمْت نَاساً مِنْ أَهْل الصُّفَّة الْقُرْآن وَالْكِتَابَة، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُل مِنْهُمْ قَوْساً فَقُلْت: لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيل اللَّه. فَسَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنْ سَرَّك أَنْ تُطَوَّق بِهَا طَوْقاً مِنْ نَار فَاقْبَلْهَا"، وهذه الأحاديث، وإن كان يشوب أسانيدَها شيء من الضعف، إلا أن ابن تيمية فصَّل القول في موضوع أخذ الأجرة على تعليم الدين في المسألة رقم (204/30) من مجموع الفتاوى عندما سُئل عن"جواز أخذ الأجرة على تعليم شيء من أحكام الدين"، وبدون أن نخوض في التفاصيل التي ضمَّنها جوابه، فإن الناظر فيه سيجد أن ابن تيمية ناقش المسألة من وجهيها فمال، على ما يبدو، إلى ناحية عدم الجواز، معللاً موقفه بأن هذا العمل عبادة لله عز وجل، وإذا عُمل للعوض لم يبق عبادة، كالصناعات التي تُعمل بالأجرة".