"الابتعاث".. ملف خطير لكنه مهمّش!
  • Posted on

"الابتعاث".. ملف خطير لكنه مهمّش!

من يتابع ملف الابتعاث منذ سنوات وسنوات يعرف جيداً أن هذا الملف هو الملف الأكثر تهميشاً من قبل الإعلام، وكأن أهم ما يخصه مشكلتان فقط لا ثالث لهما، "ضم الدارسين في الخارج على حسابهم الخاص إلى البرنامج"، و"الانفتاح الذي ينعكس على شخصيات فئة من المبتعثين والمبتعثات الذين يذهبون بعادات ويعودون بأخرى".وأمام كل قضية تُثار فتقلب الرأي العام بسبب أحد المبتعثين لا نجد من يتحدث بشفافية عن الأمر، ولذلك فهذا الملف بالذات هو أكثر الملفات التي تعرضت لكافة أنواع التشويه سواءً من قبل الصحافة المحلية أو حتى العالمية.هدف المنافسةوبالعودة إلى الأهداف الرئيسية من إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي عام 2005م نجد أن أحد أهم الأهداف الكثيرة له كانت الرغبة القوية لدى الدولة في تأهيل من يستطيعون حمل المنطقة العربية للمنافسة عالمياً في كافة القطاعات، ولكننا اليوم فوجئنا أن البرنامج أسهم بشكل كبير بسبب كثير ممن انضموا إليه ـ في التشويش على صورة العرب والدين الإسلامي لدى الدول الأوروبية والأمريكية، ما صعَب حلم المنافسة العالمية وأرهق من لديهم تلك القدرات والإمكانيات في العمل على التبرير بدلاً من العمل على التطوير!وبالطبع فهناك من حققوا إنجازات وقفنا مصفقين لها ضمن برنامج الابتعاث فحققوا بعضاً أهم أهداف هذا البرنامج، ولكن علينا في هذا التقرير أن نقف عند الإخفاقات وعند كثير مما تم تهميشه إعلامياً لأننا أمام ملف يمكن القول عنه إنه من أخطر الملفات التي لم تُناقش كما من المفترض بها أن تُناقش بعد.مواجهة الفكر الضالعندما كان الإرهاب والفكر الضال قد بدأ في استهداف الشباب السعودي، كان برنامج الابتعاث الخارجي أحد أهم وسائل القضاء على هذا المرض العُضال الذي بدأ في التفشي بالمجتمع ولو على نطاق ضيق، ولكن وبشكل غير متوقع، وبمرور سنوات قليلة أصبح الابتعاث وسيلة لنقل الفكر الضال إلى الخارج بعدما كان الهدف منه محاربة الإرهاب داخلياً، ولا يمكننا أن ننفي أن الفكر الضال نجح بشكل أو بآخر في نخر عقول بعض الشباب المبتعثين الذين تم استخدامهم كأدوات بعد غسل أدمغتهم للوصول إلى غايات ومصالح لم يفهمها أولئك الشباب، فبعد حادثة 11 سبتمبر التي لم ولن ينساها التاريخ والتي لحقتها بفترة غير قصيرة زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ حين كان ولياً للعهد إلى أمريكا، حيث لامس وقتها معاناة الشباب السعودي هناك جراء الحادثة الشهيرة التي ولدت كراهية كبيرة تجاه العرب والمسلمين فأصدر مع الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش بياناً مشتركاً يؤكد اتفاق البلدين على تذليل العقبات وتسهيل إجراءات الدخول إلى أمريكا أمام المواطنين السعوديين خاصة الطلاب الذين يرغبون في مواصلة الدراسة أو استكمال تعليمهم بها، ولكن ولأن مصلحة السعوديين في أمريكا كانت أمراً مؤرقاً للملك الراحل فقد ظلت المعاناة تشغله لسنوات حتى أقر في عام 2005م برنامج الابتعاث وأصدر موافقة رسمية في الثاني والعشرين من شهر مايو عام 2005م على ابتعاث الطلاب لمواصلة دراستهم الجامعية والعليا والحصول على درجات علمية تلبي حاجة سوق العمل ومتطلبات التنمية في السعودية، حيث تم توسيع أهداف البرنامج التي كشفت عن نقلة مهمة ومرحلة جديدة كانت السعودية تنوي الانتقال لها، فجاء برنامج الابتعاث ليس فقط لمواجهة الفكر الضال بل أيضاً ليكون رافداً مهماً لدعم الجامعات السعودية، والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المميزة من أبناء الوطن، وليقوم بتنمية الموارد البشرية السعودية، وإعدادها، وتأهيلها بشكل فاعل لتصبح منافساً عالمياً في سوق العمل، ومجالات البحث العلمي.تعدد المناهلكما وضع البرنامج عينه على الخريطة ككل ولم يستهدف أمريكا وحدها، فأصبحت قوائم دول الابتعاث تضم دولاً من كل أرجاء العالم، مثل كندا، وأيرلندا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا، وهولندا، وبولندا، ونيوزيلندا، وسنغافورة، وتركيا، وكوريا الجنوبية، والصين ، واليابان، إضافة إلى أمريكا.تساؤل مهم!وبمرور سنوات على التجربة، انحصرت الانتقادات في صعوبات ضم الدراسين والدارسات على حسابهم الخاص للبرنامج فتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى نافذة تضج بالتساؤلات حول هذا الأمر فقط، وتجاه العادات التي يذهب بعض المبتعثين والمبتعثات بها فيعودون بغيرها! وهمَش الجميع الانتقاد الأهم والذي لم يشغل الكثيرين وقتها رغم أهمية ما كان يلمح إليه وهو "لماذا هذه الرغبة الشديدة في استيراد العلم بهذه التكاليف المليارية بينما كان من الأفضل استخدام هذه المليارات في بناء المدن التعليمية هنا على أعلى المستويات وإيجاد مخرجات تعليمية جديدة واستقطاب أهم الكفاءات الأكاديمية والأهم من كل ذلك بناء المدن السكنية بهذه المدن التعليمية لاستقطاب الطلاب والطالبات الكفوئين من كافة مناطق السعودية المترامية وهنا وهناك؟!"أين الملحقياتوأمام كل هذا تغيب الملحقيات الثقافية عن المشهد، فبعيداً عن مشكلات المكافآت الخاصة بالمبتعثين أو تأشيراتهم أو مالهم وما عليهم من حقوق تلعب الملحقيات الثقافية دورها جيداً كمرجع إشرافي ورقابي على المبتعثين والمبتعثات ومتابعة تقاريرهم الدراسية وأدائهم الأكاديمي والحرص على سلامتهم وتلقيهم أفضل أنواع الرعاية العلاجية في حال إصابة أي منهم بأي إعياء، وتنظيم اللقاءات الدورية بينهم أيضاً، ولكنها تجهل بشكل ملحوظ دورها كجهة بديلة عن وجود ولي الأمر الرقيب والحسيب ولو لم يكن هذا الدور قد أوكل إليها بشكل رسمي، ولكنها كان من الممكن أن تلعبه لو خصصت للجانب الإنساني مكاناً في علاقتها مع المبتعثين والمبتعثات الذين هجروا عائلاتهم وبيئاتهم إلى بيئات مختلفة عما اعتادوا عليه بشكل كبير، ما قد يضعف عزيمتهم ويشوش تفكيرهم أو يزيد من قوتهم ويُشعرهم بحجم المسؤولية التي أُلقيت على كاهلهم وحدهم في مواجهة معضلة الفرق بين الشرق والغرب التي لم يقوَ التاريخ على مواجهتها فكيف بهذا الشباب؟!ومن هنا كان المدخل إلى أولئك المبتعثين، من هنا كانت الثغرة لضرب أهم أهداف برنامج الابتعاث، من هنا نجحت الجهات والمنظمات التي روَجت للفكر الضال في قلب الطاولة ليصبح البرنامج سلاحاً لنقل الإرهاب باسم الدين الإسلامي إلى الخارج بينما كان من المفترض أن يكون الخطوة الأولى لتأهيل الشباب لمحاربة هذا الفكر وتهيئتهم فكرياً وتعليمياً وثقافياً للرد على مروجيه ومناظرتهم وحمل الوطن بشبابه إلى ضفة الأمان والتوازن.لذلك فالابتعاث ملف خطير، لأن غالبية الشباب تذهب بحال وتعود بآخر، كما قال عنهم الكاتب المثير للجدل سعيد الوهابي "السعودي قبل الابتعاث هو فايز المالكي، وبعد الابتعاث هو أحمد الشقيري".