تدين إحدى محطات السكك الحديدية ببقائها على قيد الحياه لكونها موقعا تم فيه تصوير الفيلم الرومانسي الذي يتضمن أحداثا مثيرة " لقاء قصير "، وتم تصويره في هذا المكان منذ ٧٠ عاما، وهو من إخراج المخرج البريطاني الشهير ديفيد لين.
وهناك محطة أخرى من بين آلاف محطات السكك الحديدية التي أحيلت إلى التقاعد في الستينيات من القرن الماضي ما زالت موجودة بفضل جهود زوجين حولاها إلى واحدة من أكبر المكتبات التي تبيع الكتب المستعملة في بريطانيا.
واستمرت محطة ثالثة في الوجود وتم إنقاذها من ضربات البلدوزر عن طريق إعارة معمارها المهيب، الذي يرجع إلى العصر الفيكتوري إلى أصحاب قاعات العرض في سوق الأعمال الفنية والحرفية الذي يقام في كل عطلة نهاية الأسبوع.
ويقول بيتر ييتس وهو رجل أعمال محلي قام عام ١٩٩٦ باستغلال قوة ونجاح فيلم " لقاء قصير " لحشد السكان المحليين ببلدة كارنفورث القريبة من مدينة لانكستر، لمعارضة مشروع المطورين العقاريين، " كانت السلطات تعتزم هدم المحطة لإفساح الطريق لإقامة مبنى ضخم يضم المكاتب الإدارية إلى جانب ساحة لانتظار السيارات "، وكانت معركة حقيقية بين الجانبين.
ويضيف ييتس " إن هذه المعركة سببت لي الكثير من الآلام الشخصية، وعانت أعمالي التجارية، وتعرضت للهجوم من المقاولين، وقاموا بإبعاد سيارتي من الطريق، وكانت العملية تتسم بالشر حقيقة ".
واصل أصحاب حملة الحفاظ على طابع محطة السكك الحديدية جهودهم، وتم افتتاح مركز تراثي يحمل اسم الفيلم " لقاء قصير " عام ٢٠٠٠، ويحصل المركز على المال من زواره الذين يبلغ عددهم ٥٠ ألفا سنويا، ومعظمهم من المعجبين بالفيلم الذي أخرجه ديفيد لين عام ١٩٤٥ باقتباس من رواية كلاسيكية للمؤلف نويل كوارد تحكي قصة اثنين من العشاق اللذين يلتقيان مصادفة على رصيف قطار وتنمو علاقة الحب بينهما، غير أنهما يقتنعان بسبب الظروف الخارجة عن إرادتهما بأن قصة حبهما ميؤوس منها، وبالتالي يقرران إنهاء العلاقة والابتعاد عن بعضهما.
ويقول ييتس " إن البعض كان يعتقد أن الاهتمام بهذا الفيلم سيتبدد، ولكن هذا لم يحدث، بل على العكس ما زال مستمرا، فهو فيلم أكثر من رائع، ويستقبل المركز جيلا جديدا الآن حيث يتدفق الشباب لزيارته، فهو يثير إعجاب مختلف شرائح الناس وألوانهم ".
في قرية ألنويك في أقصى الشمال الشرقي من إنجلترا تختلف القصة، فبالنسبة لبلدة كارنفورث فهي لا تزال تتمتع بميزة توقف القطارات عندها، كما كان الحال عندما أثار ييتس ضجة حول خطط إزالة محطة السكك الحديدية، غير أن هذا لم يحدث مع ألنويك عندما انتهى دور المحطة فيها بإغلاق مسار القطار عام ١٩٦٨، وتم ازالة القضبان.
وفي البداية تم استخدام مبنى المحطة في تخزين المواد الكيماوية المستخدمة في الزراعة، ولكن في عام ١٩٩١ قام الزوجان ستيوارت وماري مانلي باستئجار مساحة فيها لافتتاح مكتبة " بارتر بووكس " لبيع الكتب المستعملة، وزحفت المكتبة عبر السنوات لتتسع وتمتد إلى الأرصفة السابقة ثم تصبح فردوسا لمحبي الكتب، وتم إلحاق مقهى وغرف للقراءة بها، وصار فيها فريق عمل مشكل من ٥٠ موظفا وهو عدد يفوق العاملين في المحطة السابقة.
وتم التخلي عن الخطط السابقة لملاك المبنى بتحويله إلى سوبرماركت كفرع لسلسلة من متاجر البقالة البريطانية، بينما انطلق مشروع تجارة الكتب إلى الأمام.
ويقول ستيوارت مانلي " إننا نشعر بالسعادة الغامرة لنجاحنا في إعادة الحياة مرة أخرى المحطة المهجورة، ولم نكن نحلم على الإطلاق بأن يحقق المشروع هذا النجاح، كما لم يكن في تخطيطنا منذ البداية أن يتحول المشروع إلى عمل تجاري بارز، وكل ما حدث هو أننا كبرنا معه ".
وتكمل ماري مانلي كلام زوجها قائلة " إننا شعرنا دوما بالحب تجاه هذا المبنى، وأردنا العناية به والحفاظ عليه وتطويره، ورأيت أن أفضل استخدام له هو تحويله إلى مكتبة، ولم نكن متأكدين وقتها من قدوم أحد إلى هذا المكان، وبالنسبة لنا كان الأمر يتعلق بمجرد حب المكان ".
ويشارك رواد المكتبة حب ماري للمدفئة التي تعمل بالفحم في غرف الانتظار السابقة بالمحطة، كما يحب الرواد عدم تدخل الموظفين لتقديم المساعدة لهم إلا في حالة طلبها، وكذلك جو التواجد في مكتبة خاصة الذي يختلف عن الأسلوب المعتاد في المكتبات الكبرى التي تبيع الكتب المستعملة حيث تتكدس أكوام الكتب وكأنها في مخازن.
وتقول ماري " باستطاعتك أن تتجول في جميع أنحاء المتجر وأن تشعر بالارتياح دون أن يضايقك أحد، كما هو الحال في محطة السكك الحديدية "، وأكبر حلم لدى مكتبة " بارتر بوكس " هو إعادة فتح المحطة ومد القضبان مرة أخرى، وانطلاق القاطرات الصاخبة التي تعمل بالمحرك البخاري لمسافة خمسة كيلومترات إلى قرية ألنماوث والالتقاء بخط السكك الحديدية الرئيسي للساحل الشرقي.
ولدى ييتس رؤية مماثلة لبلدة كارنفورث، حيث يرغب في تشغيل جميع أرصفة المحطة القديمة، وإعادة خدمات خط السكك الحديدية الرئيسي.
ويقول " إن ذلك هو المستقبل لنا، ولكن يبدو أنني أفكر بشكل سابق لأوانه للغاية، فهذا الحلم لن يتحقق خلال حياتي ".
وتعد محطة السكك الحديدية في كل من كارنفورث وقرية ألنويك محظوظة للنجاة من الهدم، ويوجد في بريطانيا حاليا ألفا محطة للسكك الحديدية بينما كان العدد عام ١٩٥٥ ستة آلاف.
كما احتفظت بلدة تاينموث والتي تقع أيضا في الشمال الشرقي من إنجلترا بمحطتها المهيبة للسكك الحديدية التي يوجد بها ثمانية أرصفة، على الرغم من أنها تقلصت إلى مسارين فقط في الاتجاهين للقطارات وصارت محطة تتوقف عندها القطارات المتوجهة والقادمة من وسط مدينة نيوكاسل.
ونجح المعجبون بالمشغولات الحديدية بالمحطة وسقفها المصقول اللامع في تأجيل عملية الهدم عام ١٩٨٦، وتم إنفاق مبالغ كبيرة على أعمال الترميم.
وانتقل إلى المكان ثمانية من الأعمال التجارية، كما تم تشييد أسواق يقضي فيها المواطنون أوقاتا طيبة اثناء التسوق في عطلات نهاية الأسبوع، إلى جانب إقامة معارض تجارية وتنظيم مهرجانات داخل مبنى المحطة الذي أثنى عليه أحد المسافرين عام ١٩٠٠ بقوله " إنه بالتأكيد أجمل مبنى محطة للسكك الحديدية وجد في أية بلدة كبيرة في بريطانيا ".