العنصرية بشكل مطلق إنتاج العقول الصغيرة والأفق الضيق، فالإنسان لا يولد انتقائياً للون أو جنس أو عرق، والبراءة تعادل عمى الألوان، بغض النظر عن قسوة التشبيه، ولكن العدالة كذلك عمياء لا تميّز بين المتهمين أو توازن بين جرائمهم، ولذلك حين يسوء الفكر ويتشوه العقل وتفسد الثقافة وتتواضع النفس وتنهار القيم يصبح الإنسان عنصرياً يميز الآخرين بما ينتقصهم فيما هم مكرمون من عند خالقهم الذي خلقهم أسوياء عقلياً ونفسياً وفي أحسن صورهم.
ليس من مبرر لاستعادة أفكار سالبة في السياق الإنساني، هناك حالة مريحة جداً في التعامل مع الآخرين، وهي أنه بإمكان الشخص أن يرفض من يشاء ويقصه من حياته تماماً، دون ضرر أو ضرار، لأنه في الواقع متى كان هناك فعل عنصري فإنه يستوجب رد فعل مرتداً لمن صدر منه الفعل، ولا يمكن منطقاً أن تكتمل شخصية إنسان بانتقاص نظير له، وإنما هو في الواقع تعبيرٌ عن الحاجة لسد نقص وصعود إلى هاوية أخلاقية.
العنصرية الصريحة أو التلميح بأي لفظ أو سلوك بغيض يفترض أن يندرج تحت بند الإساءة الجنائية، فهي أكبر منها جنحة، لأنها تكشف عن فكر مختلٍ يسهم في تعزيز النعرات المتمايزة اجتماعياً، ولنا أن نتخيّل شيوع ثقافة الاستعلاء المجتمعي في أي مجتمع متعدد الأعراق والأفكار والمذاهب وحتى الديانات، لك كفيل بالتسبب في فوضى واضطراب بين المكونات الاجتماعية جدير بأن ينسف أي مرتكزات للاستقرار، كما أن ذلك موجبٌ للأحقاد والمرارات لما في العنصرية من همز ولمز وتجريح بغيض لا يمكن أن يمر في النفس دون أذى، وبما أنّ تلك العنصرية وليدة فكر فإن العنصري بالضرورة يكون قد فكر في التمييز وتقدير مدى الجرح والإيلام الذي يسببه للآخرين، وإذا أمن العقوبة فإنه من المؤكد سيسيء الأدب.
والحال هكذا فإن تجريم العنصرية وضبط التصرفات، قولاً وفعلاً، أمرٌ مُلِحٌّ وحاسمٌ لتهذيب السلوكيات الفردية والاجتماعية، ولنا كذلك أن نتصور أنه ما من فرد يمكن أن يسيء إلى آخر إلا ويتعرض هو لإساءة مشابهة يستكرهها على نفسه، ولا يستسيغها، ولذلك من باب أولى أن يكفَّ عن أذى الآخرين، فالأفضلية الفردية لا تقاس بمذهب أو عرق أو قبيلة، وإنما مقررة في ديننا بتقوى الله، لذلك من المناسب أن يتعامل الأفراد قياساً على منطق الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ "الناس إخوان، فمن كانت أُخوّته في غير ذات الله فهي عداوة".