استهلاك الغذاء في رمضان خارج حدود المعقول!
يعد شهر رمضان الفضيل الشهر الأعلى استهلاكاً للغذاء في العام، إذ يهتم الصائمون فيه بشكل مبالغ بتعويض ما فاتهم في نهاره ليلاً بين وجبتي الإفطار والسحور بتناول العصائر والحلويات وأصناف الطعام الأخرى، كما أنهم يتقوون بذلك الطعام على الصيام الذي يأتي هذا العام متزامناً مع حرارة الصيف.وقد تحول شهر رمضان الكريم إلى موسم استهلاك هستيري في الشراء، وليس أدل على هذا من الطوابير المزدحمة أمام المتاجر وذلك السباق المحمود على شراء مستلزمات البيوت في رمضان.من جهتها، ترفع شركات الصناعات الغذائية طاقتها الإنتاجية استعداداً للزيادة في حجم الاستهلاك خلال شهر رمضان المبارك.وفي السعودية يصف مختصون استهلاك الأطعمة المبالغ فيه خلال شهر رمضان، بأنه جهل وفشل في إدارة النعمة، مشيرين إلى أن الجوع والعطش في رمضان يوهمان الإنسان المسرف بأنه قادر على تناول أي كميات من الأطعمة والأشربة وقت الإفطار، ولكنه سرعان ما يصطدم بأن شربة ماء وكسرة خبز كافيتان للقضاء على ما يشعر به.ويحدد المختصون عدة عوامل للإسراف، من أهمها التعليم والأمية والبيئة والسلوك الشخصي، إلى جانب أسباب سيكولوجية واجتماعية، يتحكم "التباهي" في معظمها، مؤكدين أن التوعية مهمة للقضاء على مظاهر الإسراف.ونلاحظ ببساطة ارتفاع ميزانية هذا الشهر بسبب ارتفاع الاستهلاك الذي يحدث بسبب سيكولوجية الإنسان التي تدفعه لشراء مزيد من السلع خلال فترة صيامه بسبب الجوع والعطش، ويصل معدل ارتفاع الاستهلاك في رمضان يصل إلى 30 في المئة مقارنة ببقية الشهور الأخرى.كما يذكر تقرير مركز المعلومات أن المصريين ينفقون في شهر رمضان 30 مليار جنيه على الطعام، ما يعني صرف مليار جنيه في بند الأكل يومياً، وقدّرت غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات في مصر، الزيادة المتوقعة في حجم استهلاك العصائر والألبان والحلويات بنسب تراوح بين 20 و25 في المئة عن المعدلات الاستهلاكية في غير رمضان، علماً بأن حجم الإنتاج الكلي من العصائر يبلغ نحو 250 مليون لتر سنوياً، حيث يزيد الإقبال على شراء العبوات العائلية التي ينخفض استهلاكها طوال العام، بنحو 5 أضعاف الشهور العادية.كما يشهد قطاع الألبان ومنتجاته من الزبادي والجبن زيادة في الاستهلاك بنسبة 25 في المئة، مقارنة بالاستهلاك المعتاد، ويقدر الإنتاج الكلي من الجبن البيضاء بنحو 60 ألف طن سنوياً، إذ يزداد حجم الاستهلاك خلال شهر رمضان من الألبان والجبن والزبادي، ما يضطر الشركات إلى رفع طاقاتها الإنتاجية بكميات تناسب حجم الاستهلاك المطلوب، وتقدر زيادة حجم الاستهلاك من الجبن خلال شهر رمضان بنسبة 15 في المئة، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لقطاع الأجبان 240 ألف طن سنوياً، ما يعادل 3.5 مليار جنيه، كما أن شركات الزبادي تنتج خلال الشهر 60 ألف طن من الزبادي الذي يعد أكثر المنتجات استهلاكاً في رمضان.وبالنسبة إلى الحلويات والشوكولاتة، فإن حجم الطلب عليها يرتفع، خصوصاً خلال الأيام العشرة الأواخر من رمضان، وتستعد الشركات المنتجة لها لرفع طاقتها الإنتاجية لتلبية ذلك الطلب المتزايد بداية من شهر رجب، كما تقدر الزيادة في الطاقة الإنتاجية بنسبة 25 في المئة عن معدلاتها الطبيعية.وفيما يخص زيادة أسعار المنتجات الغذائية، فإنها لم تشهد زيادةً في الأسعار خلال الفترة الماضية، رغم ارتفاع الكلفة الإنتاجية وارتفاع أسعار السكر، وذلك لعدم قابلية السوق لأي زيادة في الأسعار.كما توقعت شعبة الأرز بغرفة الحبوب، ارتفاع حجم استهلاك الأرز خلال شهر رمضان ليصل إلى 500 ألف طن بزيادة تصل إلى 100 في المئة، مقارنة بالشهور الماضية، إذ تعادل الكميات المستهلكة في شهر رمضان الكميات المستهلكة في شهرين ونصف الشهر.أما المكرونة فإن الطاقات الإنتاجية لمصانع المكرونة ارتفعت بنسبة 40 في المئة خلال شهري مايو ويونيو استعداداً لشهر رمضان، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لقطاع المكرونة 70 ألف طن شهرياً، وتصل إلى 110 آلاف طن في شهر رمضان.إن هناك سبباً مهماً لابد من الانتباه إليه لزيادة الشراء وهو العروض التي تشجع على الشراء فوق الحاجة، إذ إن عبارة "عرض خاص" تحفز المشتري وتدفعه دفعاً إلى الشراء والاستهلاك في رمضان من غير حاجة.لقد تحولت الموائد في رمضان إلى شاهد عيان على ظاهرة الإسراف في المأكل والمشرب، أسهم فيها بكل أسف قلة الوعي ورعاها الإعلام، ما جعل رمضان وهو شهر الجوع والعطش يرتبط بالأكل ارتباطاً لم يعد ينفك عنه، حتى اقترنت بعض الأطعمة والمشروبات بهذا الشهر الفضيل دون غيره، فهل نستطيع أن نصحح تلك المفاهيم المغلوطة ويعود الناس إلى رشدهم، مقدرين حقيقة رمضان؟